بحر اللاذقية لا يليق به التوتر
خمّنت أنّ الفرصة حانت للتعرّف إلى منطقة الساحل السوري. ورغم ضيق الوقت في زيارتي الأولى في شباط، فكّرت أن أخطف نفسي ليومين للقاء بعض الأصدقاء في اللاذقيّة، التي لم أزرها سوى مرّة واحدة عام 1977. لا أعرف مدن الساحل، طرطوس وجبلة وبانياس، ولا جباله وسهوله وطبيعته الساحرة. حين أرجع بذاكرتي للوراء لا أجد صورة واحدة عن كلّ تلك المنطقة، ليس هناك سوى شتات زيارة عابرة، بدعوة من صديقٍ كردي، هو الشاعر حامد بدر خان. ذهبنا إلى منزله في حيٍّ يقع في منطقة مرتفعة تطلّ على البحر. أعدّت لنا زوجته السمك والبطاطا المقليّة، وأمضينا بعد ذلك سهرة جميلة في قرية اسمها دمسرخو، وفي اليوم التالي ذهبنا إلى مطعمٍ اسمه العصافيري.
لا علاقة لي ببحر اللاذقيّة، لم أغطس في مياهه، ولا أعرف هل هو مالحٌ كفاية أم لا. لم أرَ رمل الساحل وأمواجه حتّى في الصور، ولا أتذكّر أنّ أحداً حدّثني عن عطلة بحريّة هناك. البحر بالنسبة إليّ في بيروت، أول مرّة رأيته كانت من برمّانا، حينما نظرت من عَلٍ، وشاهدت ذلك الأزرق الشاسع. قلت بيني وبين نفسي هذا هو المستحيل، الذي ليس لديّ أيّ فكرة عنه في سوريا، سوى الأثر الذي تركته روايات حنّا مينه. لم يكتب سواه عن بحر اللاذقيّة، رغم العدد الكبير من الأدباء من الساحل؛ قد يكون السبب أنّهم قادمون من الأرياف. واللافت أنّ البحر غير حاضرٍ في مرويّات السوريّين، كبقيّة الشعوب المتوسّطيّة الأخرى.
بقي إحساسي تجاه تلك الجغرافيا غريباً، يتراوح بين الحياد والنفور. لم أشعر بجاذبيّة حسيّة متينة، كتلك التي ربطتني بمناطق سوريّة أخرى. كنت أعزو ذلك إلى عنف النظام الذي ربط نفسه بالساحل السوري. والغريب أنّ صداقاتي الكثيرة مع أبناء تلك المناطق، لم تنجح في ردم تلك الهوّة، رغم أنّها على درجة عالية من المودّة التي لم تتبدّل، من الطرفين، على الدوام، إذ ظلّت المسافة قريبة مع أبناء الساحل، تشدّنا الفطرة الصافية. وتحضرني ملاحظة مهمّة هي أنّ أغلب أحاديث بحر اللاذقيّة التي سمعتها
ارسال الخبر الى: