من حيث الموقف هناك بعض الشبه بين الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الفرنسي الأسبق شارل ديغول في علاقة بالمبادرة إلى صفقة سلام بعد فشل الخيار الدموي وبموقف بنيامين نتنياهو وغلاة المستوطنين المعترضين على صفقة وقف إطلاق النار مع المقاومة نظير الموقف نفسه لغلاة الاستعمار في الجزائر عام 1961 عندما اشتد وقع الثورة الجزائرية على فرنسا سياسيا وعسكريا وحدث استنزاف لمقدرات الجمهورية التي باتت على وشك السقوط وانكشفت سوأة الاستعمار وممارساته البغيضة وحشدت الكثير من دول العالم جهدها لإسناد القضية الجزائرية لم يجد ديغول غير الإقرار بواقع الهزيمة السياسية وبالواقع العسكري الذي فرضته ثورة الجزائر كان هذا تقدير ديغول في باريس بينما ممثلوه من العسكريين وقادة الجيش الاستعماري وغلاة المستوطنين في الجزائر كان لهم موقف مختلف إذ رفضوا أي مسار تفاوض سياسي مع جبهة التحرير يقود إلى استقلال الجزائر وفصلها عن فرنسا في عام 1961 وعشية دخول مفاوضات الاستقلال مرحلتها الجدية والأخيرة أعلن قادة الجيش الفرنسي في الجزائر بقيادة الجنرال موريس شال الانقلاب على حكومة باريس وديغول الذي وصفه بانقلاب أربعة رجال يدور التاريخ في الحلقة نفسها والرجال الأربعة يوجدون في تل أبيب أيضا بنيامين نتنياهو وبتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير ويوآف غالانت وخلفهم المستوطنون وتجار الحروب الذين يصرون على معاكسة الوقائع والاستمرار في حرب تبدو للجميع إلا لهؤلاء الأربعة أنها حرب بدون أي أفق سياسي وعسكري يرى بايدن مثلما ديغول انهيار الموقف وانسداد الخيارات الاحتلالية مع اشتداد ضربات المقاومة وتألقها على الصعيد الميداني ويرى بوضوح كيف قفزت غزة من الخريطة لتصبح داخل الساحة الأميركية المقبلة على انتخابات رئاسية وكيف بدأ حلفاء إسرائيل من المجتمعات الغربية والمنتظم الدولي ينسلون من حولها ويتنصلون منها كرجل مصاب بالجذام لذلك فهو يعرض صفقة لمنع مزيد من الحريق في جبهة أميركا وإسرائيل بينما نتنياهو مثل ذاك الجنرال الفرنسي موريس عيناه مشدودتان إلى الإسفلت ولا ينظر إلا عند قدميه اللتين ستقودانه إلى مصير سياسي محتوم وإلى المحاكمة آجلا أو عاجلا وبايدن مثل ديغول أيضا لا يعرض صفقة سلام لأجل السلام أو لتجنب ويلات الحرب والحد من آلام المدنيين وإنهاء مأساة إنسانية أو الحفاظ على مقدرات بل لأن هذه الصفقة هي سترة إنقاذ بحد ذاتها للربيب الإسرائيلي ومحاولة لتحسين صورة أميركا صانعة سلام ومبادرة بالحلحلة هذا الذي يفسر لماذا رفضت واشنطن ثمانية أشهر مقترحات قرارات طرحتها الجزائر ودول أخرى في مجلس الأمن وتبادر الآن بطرح قرار لوقف إطلاق النار وأيا ما كان مصير المبادرة والصفقة الأميركية ومآلاتها فقد أطلقت أميركا على نفسها النار وخسرت الموقف السياسي والأخلاقي في العالم ولن يكون مصير بايدن أفضل من مصير ديغول الذي ثار ضده الطلاب وخسر منصبه بعد استقلال الجزائر