بالغ يساطة بصرية تجيز التفكير بتعقيدات الوجود

٤٣ مشاهدة
يواصل الأرجنتيني مارينو غونزاليس 1977 بحثه في الحالة الوجودية دائمة الالتباس بين آباء وأبناء التي يصعب حسم تقييمها خارج التوصيف التقليدي بكونها حالة طبيعية يريد الأبناء حال بلوغهم سن المراهقة شق طريقهم الخاص في الحياة بعيدا عن سلطة العائلة فيختارون للتعبير عن تلك الرغبة الغريزية أساليب تعبير وسلوكيات مرتبكة تؤدي غالبا إلى تصادمات وسوء فهم يترك للزمن وحده تصحيح المسارات بين الطرفين هذه الحالة الوجودية المعقدة يهتم بها ويعالجها غونزاليس سينمائيا في لوس غلوبوس 2016 ورعاية الآخرين 2019 وفي بالغ 2024 أيضا الفائز بجائزة لجنة تحكيم الدورة الـ26 14 ـ 23 يونيو حزيران 2024 لـمهرجان شنغهاي السينمائي الدولي يتناولها من منظور مختلف يضع السيناريو كتابة المخرج الآباء في موضع تساؤل حين يتخلون عن مسؤولياتهم العائلية والأخلاقية وبدلا منهم يتولى أطفالهم تصحيح خطاياهم فيبدون في المشهد الحياتي الذي يجسد مواقفهم كأنهم مراهقون باتوا بالغين قبل الأوان هذا المشهد الوجودي الحاوي ضمنا لرؤى فلسفية ونفسية شديدتي التعقيد ينقله غونزاليس بأسلوبه السينمائي البسيط والمشبع بروح لاتينية لا تفارقه ببساطة إنتاجية وسردية ينقل جانبا من المشهد المعقد لكنه لا يدعي الإلمام به كاملا لذا يقترح على المشاهد مشاركته في وضع تصوره الخاص لحالة المراهق أنطونيو ألفونسو غونزاليس ليسكا ابن المخرج الممثل في لوس غلوبوس أيضا الذي يجد نفسه في وضع صعب إثر تسبب والده في حادث سير يقلب مسار حياته فجأة ويجبره على ترتيب شؤونه بعيدا عنه هذا الوضع يفرض حضورا دائما للمراهق أمام الكاميرا التي بالكاد تفارقه عدساتها للحظات ملازمة قريبة لصبي وحيد 14 سنة تتكشف عبرها انفعالاته النفسية والعاطفية يعمل الاشتغال السينمائي على تقريبها من الواقع وتحميلها أحيانا بعدا وثائقيا وبفضل ترتيب تفاصيلها اليومية المقاربة للواقع يتولد عند المشاهد إحساس بأن ما يعرض أمامه نقل حي لحياة عائلة أرجنتينية فاقدة مركزها الغياب التام للأم من حياة الصبي لا أحد يلتفت إليه لأن الكتابة السينمائية تركت تصور أسباب غيابها للمتلقي ليضع بنفسه أسبابا متخيلة له طالما أن قصة الصبي مكتفية بذاتها وقادرة على عكس حالة غياب أخرى من داخلها لا يتبع بالغ مسارا سرديا تقليديا في رهان على مخيلته يترك للمشاهد تصور الحالة التي تسبق مشاهد كثيرة معروضة أمامه من دون ربطها بما يسبقها كأن النص يفترض مسبقا بأنه على دراية بها وقادر على تتبع مساراتها طالما أنه مشارك في تخيل الأحداث ويعرف سلفا دور الأفراد فيها التواتر البصري يبرر ذلك الرهان الصعب ويعزز مصداقيته ما دام لا يربك المتلقي ولا يؤخره عن ملاحقة الأحداث على هذا الأساس لم تعد مهمة معرفة طبيعة عمل الأب راؤول خوان مينوجين يكفي أنه يغيب طويلا عن البيت تاركا ولده وحيدا في المنزل يكمل واجباته المدرسية أحيانا تساعده اليوسا كاميلا بيرالتا التي ترعى جارتهم العجوز يبيت ليال في منازل أصدقاء وفي ليال أخرى يبيتون عنده لمعرفة جانب من شخصية الأب يظهر أنطونيو في مشهد قصير راكبا خلفه على دراجته النارية تتبعهم سيارة شرطة ينزل الأب منها ويهرب تاركا ابنه مع رجال الشرطة على سلوكه ذاك يبنى تصور دقيق عن ضعف شخصيته وتهربه من مواجهة مشاكل يتسبب بها لنفسه وللآخرين في كل مشكلة يسببها الأب هناك حاجز يمنع سماع ولده بها مباشرة يأتي هذا لقناعة بأن أنطونيو لا يزال طفلا وينبغي عدم نقل الحقيقة إليه خوفا من عجزه عن فهمها بعد سماعه متأخرا بحادث اصطدام الدراجة النارية لوالده بطفلة صغيرة قيل له إنه حادث عرضي جراء اصطدامه بكلب واقف في الطريق بإلحاح يريد معرفة حالة الكلب بعد الحادث لإحساسه بكذب والده عليه عندما يتأكد خبر دخول راؤول المشفى ونقله منها إلى مركز الشرطة يصبح الصبي وحيدا وعليه تدبير أموره بنفسه هذا يقوده إلى ارتكاب أخطاء يسرق مع زملائه مواد غذائية من متجر قريب ليبيعها إلى جيرانهم فيؤمن عيشه ويصلح الدراجة المعطوبة في غياب والديه يواجه مشاكل وجودية يفرضها واقع أرجنتيني غير سو وقاس لكنه يتعامل معها بحكمة وصبر إحساسه بالمسؤولية يدفعه إلى الاعتراف أمام والده بسرقاته الصغيرة ثم يذهب إلى بيت الطفلة للاطمئنان عليها بخروجه من بيتها يعلن تصالحه مع نفسه ويتطابق سلوكه مع دواخله النقية هذا لم يفعله والده معها في مفارقة تحيل إلى التفكير في العلاقة الملتبسة بين ذوات مختلفة التكوين في العائلة الواحدة هل يؤشر سلوك الصبي على نقاء داخلي لا صلة له بالتربية العائلية سلوك يعود إلى خصلة فطرية فيه بحث غونزاليس فيها عبر دواخل الصبي وسلوكه يحيل النص السينمائي إلى مبحث اجتماعي ـ نفسي معقد بساطة السرد تعين على تأمله الاشتغال السينمائي البارع يدعو إلى تفكير في فن السينما الذي يأتي يوميا بأنساق تعبير بصرية جديدة ومن جهات بعيدة عن مراكز الإنتاج الكبرى لتعلن أن لا حدود ولا قيود على مخيال يجمع بين البحث العميق في تعقيدات الوجود البشري والتعبير عنها بالصورة السينمائية الجميلة والبسيطة

أرسل هذا الخبر لأصدقائك على

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2024 يمن فايب | تصميم سعد باصالح