باسكال بونيفاس وديدييه فاسان تسمية الجريمة باسمها
لا يزال الجدل في أوساط النخبة الثقافية الفرنسية محتدماً، منذ بدء الحرب التي تشنّها إسرائيل على غزّة، بين منكري جرائم الاحتلال ومسوّغيها من أمثال برنار هنري ليفي، وميشيل أونفري، ورافايل أنتوفن، وبين من انحازوا إلى الحقيقة، فسخّروا أقلامهم لفضح آلة الدعاية الصهيونية، من أمثال آنييس لوفالوا، وروني برومان، وفرانسوا بورغا.
يقدّم كتابا رخصة بالقتل، غزّة: الإبادة والإنكار والهسبارا لباسكال بونيفاس (دار ماكس ميلو، 2025)، وهزيمة غريبة: عن القبول بسحق غزّة لديدييه فاسان (دار لاديكوفرت، 2024)، قراءتين متكاملتين لأزمة الضمير الفرنسي، والغربي عموماً، أمام المذبحة الجارية على مرأى العالم ومسمعه.
يستعير ديدييه فاسان، أستاذ كرسيّ الأخلاق والقضايا السياسية في المجتمعات المعاصرة في الكولّيج دو فرانس، لكتابه عنوانَ كتاب المؤرّخ مارك بلوك حول هزيمة فرنسا العسكرية عام 1940، لكنّه يختار معالجة هزيمة من نوع آخر: هزيمة الغرب الأخلاقية أمام غزّة. ويرى أن ما حدث منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023 لم يكن تقاعساً، أو صمتاً أمام مأساة إنسانية جديدة فحسب، بل كان شكلاً من أشكال التسليم بالمجزرة، لكنّه تسليم فاعل، إذ لم يقتصر موقف جلّ النخب السياسية والثقافية الغربية (الأميركية والفرنسية والألمانية على وجه الخصوص) على الامتناع عن فعل ما يجب لوقف الحرب، بل تعدّاه إلى تقديم دعم دبلوماسي وعسكري واستخباري لإسرائيل، وتبرير جرائمها بذريعة الحقّ في الدفاع عن النفس أو محاربة الإرهاب، في تنكّر جليّ للقيم الإنسانية التي طالما ادّعى الغرب الدفاع عنها.
تحريف المفاهيم والقيم في ضرب من القتل الرمزي للغة
ولا يكتفي فاسان بتحليل الدوافع الأيديولوجية والجيوسياسية لمواقف الدول الغربية ونخبها الثقافية، بل يذهب إلى تفكيك آليات الهيمنة على النقاش العام، حيث يُفرض قاموس رسميّ للوقائع، وتُعاقَب الأصوات المخالفة بالعزل والإقصاء، في الجامعات والإعلام والمجتمع المدني، ويَفضح انحياز وسائل الإعلام وتبنّيها الرواية الإسرائيلية للأحداث وممارستها للتضليل وتحريف المفاهيم والقيم في ضربٍ من القتل الرمزي للّغة، فيكتب: لقد أُفسِدَت اللغة حين وُصمت الدعوات إلى وقف قتل المدنيّين بـ معاداة السامية، ووُصف جيشٌ يجرّد خصومه من إنسانيتهم بـالأخلاقيّ، وحين سُمّيت عمليّة
ارسال الخبر الى: