بأولادها هكذا تبني سورية نفسها بنفسها
الفقر والحاجة والخذلان، ولا شيء غير ذلك، يكسر القلب والخاطر ويحد من التطلعات، كما لا أصعب وأوجع من السؤال، أو بصيغة أدق، ذلّ السؤال لمن يراك فقيراً ومحتاجاً، وينتظر منك السؤال وطلب المساعدة، ليساعدك كما قلة، أو يفرض شروطه ويتعذّر، مثل كثيرين.
من ذلك ربما، ولأن الدول تلكأت أو اشترطت، وهي ترى واقع سورية عاجزة، كدولة، حتى عن دفع أجور الموظفين أو تأمين الخبز والمحروقات، لمعت فكرة أبشري سورية من مدينة حمص، ولم تكن من النضوج والتبلور، كما آلت إليه في إدلب قبل أيام، أو ما ستتحوّل إليه في حماة وغيرها من المدن السورية، بعد ذلك.
فكرة جمع تبرعات من السوريين أنفسهم لبناء سوريتهم، أو لتلافي ما يمكن تلافيه، لتأمين إكسير الحياة ومد الأسواق بالاحتياجات الضرورية، قبل أن يكبر الحلم لإعادة الإعمار واقتلاع وتد آخر خيمة لاستعادة النازحين بيوتهم، قبل فصل المطر والبرد.
بدأت الحكاية من أربعاء حمص في 13 أغسطس/آب الفائت، كباكورة لتحريض السوريين وحضهم على البناء ومساعدة أهليهم، ففوجئ القائمون على المبادرة، بأن جمعت وبليلة واحدة ومن دون تحضير أو عظيم توقعات، نحو 13 مليون دولار. فتلقفت درعا، جنوبي سورية ومنطلق ثورتها، الفكرة، وأعلنت عن أبشري حوران في 30 من الشهر ذاته، لتكبر الفكرة والمبالغ والحلم، وتجمع بليلة واحدة 36 مليون دولار ووعود بتبرعات ليصل المبلغ النهائي إلى نحو 44 مليون دولار، ويتابع السوريون الحملات إلى دير الزور في 11 سبتمبر/أيلول الماضي، أكثر المدن تهديماً وخراباً، فتجمع بليلة واحدة نحو 30 مليون دولار، قبل أن تتغيّر طرق التحضير والدعوات ونضوج الفكرة وتحديد الأهداف، لنشاهد بحملة ريفنا بيستاهل في 20 سبتمبر بريف دمشق، سقفاً جديداً من التبرعات تعدى 76 مليون دولار وتحل المفاجأة الكبرى، في حملة الوفاء لإدلب، 26 سبتمبر، وتجمع 208 ملايين دولار.
ولأن الحملات أثمرت وعرف السوريون طرقاً تغنيهم عن السؤال والديون الخارجية، وإسعاف دولتهم وحكومتهم، زاد التنافس بين المدن لتعلن درعا عن حملة ثانية وكذا دير الزور، من دون أن يتعطل برنامج بقية المحافظات.
ارسال الخبر الى: