اليمين المتطرف العابر للأطلسي
يحتفي اليمين المتطرف بانتصاراته الزاحفة وأبواقه العالية من الولايات المتحدة أرض الأحرار عابراً المحيط الأطلسي إلى أوروبا الاستنارة مؤذناً بعالم أكثر وحشية مما نعيشه الآن.
ليس صحيحاً أن صعود اليمين المتطرف هو ردة فعل للصوابية السياسية وجحافل المهاجرين وتهديدهم للثقافات الأصلية لهذه الشعوب، لأن الحقيقة الدامغة هي أن المهاجرين وإن تزايدوا يظلون أقلية ضئيلة في هذه المجتمعات، تقبل ما لا يقبله من ينكرون عليهم حقوق المساواة، وتعيش في الهامش الاقتصادي الذي يرفضه البيض الأصليون وتنقذ الرفاه الاجتماعي بما تقدمه من قوة عاملة رخيصة للمرافق الحيوية.
لكن صعود هذا اليمين هو بحد ذاته تأكيد لفشل سياسات الجشع الاقتصادي التي تبنتها مؤسسات الحكم الغربية ولما كرز به مفكرون وساسة غربيون على مدى عقود ومنذ سقوط المعسكر الشرقي بنهاية الأيديولوجيا وفتح الباب أمام رأسمالية متوحشة.
كان خطاب نهاية الأيديولوجيا يشدد في ظاهره على أن المصالح هي ما يتبقى، وأن العالم الجديد ينبغي أن يقوم عليها، لكنه كان يضمر إقصاء، أو بالأحرى، إخصاء كل التيارات الأخرى ما عدا الرأسمالية بصيغتها النيوليبرالية التي تجعل من العالم مجرد سوق للربح ومن البشر مجرد مستهلكين، ليسير العالم باسمها في طريق بلا رجعة. ومن ثم يتعين على كل التيارات والأيديولوجيات الأخرى، سواء اليسارية أو الليبرالية المحافظة، أن تتوارى إلى الهامش.
/> لجوء واغتراب التحديثات الحيةالشرطة البريطانية تتأهب لتظاهرات اليمين المتطرف خشية فوضى واشتباكات
هذا ما حدث به المفكر الأميركي فرانسيس فوكوياما عندما اعتبر الرأسمالية نهاية التاريخ ثم نقطة، ولا شيء. ولسوء الحظ التهمت تيارات الطريق الثالث متمثلة في بيل كلينتون وتوني بلير ذلك الطعم فأقصت اليسار لتبقى الأحزاب التي تمثله مفرغة من أي أيديولوجيا، وتظل الجماهير الغفيرة من دون وعي حقيقي بمن يسبِّب معاناتها. كتابات أكاديمية كثيرة روّجت على مدى العقود الماضية فكرةَ أن المواطن الفرد يعتنق بفطرته البراغماتية ولا يهمه من يقدم له الخدمة سواء كان يسارياً أم يمينياً، لكن وميض النار ظل تحت الرماد ليندلع الآن في شكل ذلك الصعود اليميني العنصري، وتنتهي نهاية الأيديولوجيا.
ارسال الخبر الى: