الوطني والمستورد

٢٤ مشاهدة
اعتاد الناس أن يسموا ما يصنع في الداخل السوري الوطني بينما يطلقون على كل ما عدا ذلك اسم المستورد كانت الصناعة الوطنية إحدى المفاخر السورية في أكثر من مجال فالزجاج السوري والإسمنت والنسيج السوري الصناعي واليدوي كانت أمثلة للجودة والإتقان والثقة بحيث يمكن اعتبارها هوية تتحدى من حيث الجودة مثيلاتها من الصناعات التي تستورد إلى البلد لم يكن للأمر علاقة بـالوطنية سياسيا من حيث الظاهر وإنما كان الاسم مستمدا من الجغرافية المحلية التي تسمى وطنا وبفضل المتانة وحسن الصناعة كان خيطا رفيعا من المشاعر يمتد ليربط بين السوري وبين ثوب النسيج المصنوع بأيدي الحرفيين المهرة في معامل النسيج السورية والظاهر أن السوريين في تلك الأزمان كانوا يحاولون أن يحسنوا صناعة الوطن بالقدر نفسه الذي يصبح فيه مناسبا أكثر فأكثر للعيش والحياة الطيبة بينما كانت الرياح تشتد بهم وبسفينتهم في اتجاه آخر ما يبدأ بأنماط الأدب ينتهي بطرق الحكم وبالسلطة انقلبت التسميات والمفاهيم اليوم إذ بات الوطني عاديا أو دون العادي أو رديئا من ناحية الصنع بينما يشاد بالمستورد ويمدح ويباع أو يشترى بيسر وسهولة وبأغلى الأسعار ينطبق هذا على معظم السلع الموجودة في الأسواق ومن كل الأنواع أيضا كما ينطبق على معظم البلاد التي يستورد منها التجار عدا الصين ومصنوعاتها الرديئة بالطبع وحين يجد أي مواطن أن الوطني مصنوع بمواصفات جيدة فإن أول ما يفكر فيه هو نسبته إلى الخارج أي أنه يشبه كذا من الصناعات في كذا من بلاد العالم اللافت أن شريحة كبيرة من القراء والنقاد أحيانا باتت تنسب الكاتب إلى الخارج خاصة في حقل الرواية أو القصة أو المسرح ربما لأن هذه الأنواع نشأت عبر التأثر الثقافي بينما يعفى الشعراء العرب من هذا التنسيب لأن للشعر جذورا عربية موغلة في القدم هل يرد السبب إلى عدم قدرة الرواية العربية بعد على اجتراح هوية خاصة بها تمنحها حق الوجود كرواية عربية أم أن العقل العربي السائد اليوم مطحون ومستعبد وراضخ لقوة الثقافات القادمة من الخارج أم يعود إلى أيديولوجيا تفوق كسيحة ترفض التأثر كأن الرواية العربية مجرد خيط نسيج صوفي أو قطني أو حريري مستورد يغزل محليا والسؤال الذي يظل يتكرر ما العربي في الرواية العربية الشكل أم المضمون وعلى أي فكرة يتكئ من ينسب قيمة رواية عربية إلى الرواية الغربية تبعيتها أم فرادتها يبدو الأمر معكوسا في عالم الأفكار بحسب ما تراه السلطة العربية أي سلطة كانت سواء السلطة السياسية أو السلطة الدينية أو السلطة الاجتماعية إذ تستخدم كلمة المستورد كي تجعل من الأفكار الإنسانية مشوهة أو مغرضة أو خائنة أو طارئة على الحياة ترفض الماركسية بذريعة أنها مستوردة كي ترفض أفكارها عن نهاية الاستغلال وترفض الليبرالية للسبب نفسه وسوف تصبح الديمقراطية بضاعة مستوردة أيضا وفي هذه الحالة يستخدم مفهوم الاستيراد الفكري من أجل القول بعدم صلاحيته للوطني والأدهى من ذلك أن يستخدم الوطني وهم شعوب هذه البلاد للقول إن المستورد وهو هنا الديمقراطية لا تناسبهم روائي من سورية

أرسل هذا الخبر لأصدقائك على

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2024 يمن فايب | تصميم سعد باصالح