يعيش الإنسان محصورا في أبعاده المكانية والزمانية الأربعة التي تشكل واقعه المعاش المرئي ويمكن أن نقول إنه يعيش أيضا في بعده الخامس البيولوجي الذي يشكل ملامحه وصفاته لكن هل هذا كل شيء بالطبع لا فهناك ملكة لدى الإنسان تميزه عن كائنات المملكة الحيوانية والنباتية معا إنها ملكة التخيل حيث يمثل الخيال النافذة التي وهبها الله جل وعلا للإنسان ليخترق كل تلك الأبعاد المكبلة له في الحياة فهو بالخيال يستطيع أن يخمن ويشكل وجود ما لا وجود له إلا في مخيلته التي كلما كانت أوسع أفقا استطاعت صنع عوالم لامتناهية الخيال ومشروعي الأدبي لماذا اخترت الخيال العلمي جزءا أو كل مشروعي الأدبي الحقيقة أن الخيال العلمي هو جزء من مشروعي الكتابي وليس الأدبي فأنا لا أعتبر نفسي كاتب قصة لا خيال ولا غيره بل كاتب يحوم حول الخيال العلمي موثقا ودارسا له وقبل هذا وذاك قارئ نهم لهذا النوع من الأدب الذي هو أدب القرن العشرين كما سماه الأستاذ محمود قاسم أنا لم أكتب في الخيال العلمي إلا قصة يتيمة اسمها مذكرات تائه نشرتها صحيفة العربي الجديد في أيار مايو 2018م يعيش الغرب أحلام الخيال العلمي كحقيقة مجسدة فيما نعيش نحن في الشرق كوابيس الخوارج والحشاشين ومن حذا حذوهم لكني كتبت مقالات حول أدب الخيال العلمي وثيماته ومجلاته وجوائزه ولا يزال الباب مفتوحا للكتابة حول آفاقه الواسعة بداياتي مع الخيال العلمي بدايات تعرفي على هذا الأدب كانت مع سلسلة ملف المستقبل التي كانت تصدرها المؤسسة العربية الحديثة ضمن سلسلة روايات مصرية للجيب للدكتور نبيل فاروق لقد فتحت تلك السلسلة ذهني على ثيمات الخيال العلمي إذ ناقشتها كلها تقريبا ثم جاءت سلسلة روايات عالمية للجيب التي ترجمت روائع الأدب العالمي طبعا من ضمنها الخيال العلمي ولا أزال أذكر تحمسي لمشاهدة فيلم فلاش غوردن في سينما خالدة إحدى دور السينما في صنعاء عام 1994م لأني كنت قد قرأت رواية الفيلم مترجمة ضمن أول أعداد سلسلة روايات عالمية للجيب أمر ممتع أن ترى القصة مجسدة أمامك على الشاشة بكل مؤثرات الفن السابع المبهرة وهكذا دخلت هذا العالم الساحر العالم الساحر والمنطق الخيال العلمي عالم ساحر يمتزج فيه العلم برصانته مع الأدب بانطلاقه بعيدا عن الشطحات التي يرفضها المنطق أنا أتحدث هنا عن الخيال العلمي وليس الفانتازيا يعلمنا الخيال العلمي التفكير العلمي السليم والمنظم والمنضبط بالمنطق الذي تطور منذ عهد أرسطو في القرن الرابع قبل الميلاد حتى برتراند راسل في القرن العشرين مرورا بجورج بول صاحب المنطق البولياني في منتصف القرن التاسع عشر مرتكز عمل الحاسوب اليوم يصور الخيال العلمي لنا شكل المستقبل والعلم يصنع ذلك المستقبل بصفتي مهندسا هذا يعني أني أكثر التصاقا بالرياضيات التي تقوم على المنطق لذا كان الخيال العلمي رافدا ونافذة لي أضيفت في زوايا التفكير لو تلفتنا حولنا اليوم فسنجد أننا نعيش إنجازات العلم الحديث تلك الإنجازات التي تخيلها جول فيرن وهربرت جورج ويلز وإسحق عظيموف وآرثر كلارك وغيرهم من كتاب الخيال العلمي الذين سماهم صديقي الكاتب ياسر أبو الحسب مهندسي الخيال فالخيال العلمي يصور لنا شكل المستقبل والعلم يصنع ذلك المستقبل أنا سعيد لأني أحيا عن قرب من عوالم هؤلاء المهندسين قارئا وباحثا ومستمتعا بل أصبحت أحسب نفسي داعية لهذا العالم الساحر عالم الخيال العلمي أدعو من حولي ليعيش متعة التخيل العلمي الذي يجعل من العلم مرتكزا للتفكير ولو لم تكن له إلا هذه الميزة لكفته كي نحيا في معيته طوال العمر ولا ننسى أننا نحيا في هذا العصر الذي من مفارقاته أن الغرب والبشرية معه يعيشان أحلام وتنبؤات جول فيرن وويلز وآرثر كلارك وغيرهم من كتاب الخيال العلمي في حين نحن في الشرق نعيش كوابيس الخوارج والحشاشين ومن حذا حذوهم أفلا نلجأ إلى الخيال العلمي في محنتنا هذه