الهوية المقرمشة

30 مشاهدة

في زيارته الأولى إلى نيويورك، ظهر الرئيس السوري أحمد الشرع وهو يأكل سندويشة فلافل في صورة انتشرت على المواقع الاخبارية ذات المصداقية المنخفضة، سرعان ما تبيّن أنها هُندست بالذكاء الاصطناعي. في الرواية الشعبية التي أحاطت بالمشهد المفبرك، قيل إن البائع معتقل سوري سابق في زمن حافظ الأسد، هرب منذ السبعينيات ونجح في بلاد الوفرة. المشهد مختلقٌ تماماً، لكنه استهوى السوريين. أحبوا المفارقة: أن السجين هو من يمدّ يده الآن بالطعام السوري الذي اكتسب الجنسية النيويوركية، وأن الرئيس الجديد، صاحب التاريخ المقلق للأميركيين، يتلقّى لقمة من يد نجت من بطش عائلة أطاحها.
الحقيقة أنه في قلب نيويورك، هناك محل فلافل شهير، صاحبه سوري أيضاً. في العام 1971 افتتح مأمون شاطر محله الصغير في شارع ماكدوغال بحي غرينتش فيليدج، وأسماه مامونز فلافل. وصفه بأنه صغير عادل تماماً، إذ لم تتجاوز مساحته بضعة أمتار مربعة. لكنه جذب طلاب جامعة نيويورك والفنانين والموسيقيين، ثم تحوّل إلى محطة لزوار المدينة. خبز، أقراص فلافل مقرمشة، خضرة وطحينة. احتفل المطعم في العام 2021 بمرور خمسين عاماً على افتتاحه، حيث وصفة دمشقية استطاعت أن تعيش نصف قرن في قلب مانهاتن. بين مقهى ريجّو الشهير والكوميدي سيلار، وقف السوري المهاجر خادشاً سطحاً ولو بخفة، في قلب مدينةٍ لا تكفّ عن التغيّر.
يعرف الكل حكايتنا مع الفلافل منذ تحوّلت إلى رمز متنازع عليه. يراها العرب طعام الفقراء والأحياء الشعبية، علامة للكرم والامتلاء رغم القلة. لكنها فائضة بالرمز والذاكرة حين تصبح ملاذ المهاجر في غرينتش أو الشام أو بغداد أو القدس، وفائضة بالحنين حين تذكّر بجلسات البيوت والساحات. إسرائيل، العدوة اللدود والجارة الدبقة، روّجتها عالمياً باعتبارها جزءاً من مطبخها الوطني. وهكذا صار القرص الذهبي المقرمش ساحة نزاع على الهوية والسرد.
ما الذي أحبّه النيويوركيون في الفلافل؟ تزور المدينة فتكتشف أن كل ما في حياة الأميركي يتسم بالفائض: المساحة مترامية، المال حاضر بكثافة، الطعام مفرط، السلطة طاغية. وحين تتأمل الثقافة السائدة ترى خليطاً من الليبرالية، والاهتمام بالطبيعة، والدعوة إلى السلام، والدفاع عن

ارسال الخبر الى:

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2016- 2025 يمن فايب | تصميم سعد باصالح