الهوية الإيمانية وثيقة العهد المقدس وحصن اليمن الذي لا يخترق

في خضم المتغيرات العاصفة التي تضرب العالم، وحيث تتآكل المجتمعات وتذوب الفواصل الثقافية تحت وطأة العولمة المتوحشة، يقف المجتمع اليمني متفرداً بخصوصية تاريخية وروحية لا نظير لها، تستند إلى جذور ضاربة في عمق التاريخ الإسلامي، وتحديداً تلك اللحظة الفاصلة التي يُطلق عليها “جمعة رجب”.
إن الحديث عن الهوية الإيمانية اليوم، ونحن نستقي من معين توجيهات السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي (يحفظه الله)، ليس حديثاً عن ترفٍ فكري أو استدعاءً عاطفياً للماضي، بل هو حديث عن “الشيفرة الوراثية” لبقاء هذا الشعب، وعن سر الصمود الأسطوري الذي حير مراكز الدراسات الغربية وأعجز الآلة العسكرية الحديثة. إن الهوية في مفهومها العميق، كما تتجلى في الأدبيات القرآنية، ليست مجرد بطاقة تعريف جغرافية أو انتماء لتربة وطنية فحسب، بل هي “المنظومة التشغيلية” للمجتمع، والروح المعنوية التي تحول الكتل البشرية من مجرد أرقام سكانية متناثرة إلى “أمة” ذات مشروع وهدف ورسالة؛ فالمجتمع بلا هوية هو جسد بلا مناعة، وريشة في مهب الريح يسهل اختراقها وتوجيهها ومسخها.
وعندما نضع “الهوية الإيمانية” الخاصة بالمجتمع اليمني تحت مجهر البحث التاريخي، تبرز أمامنا وثائق وحقائق مذهلة تجعل من هذا الشعب حالة فريدة في التاريخ الإسلامي؛ فدخول اليمنيين في الإسلام في أول جمعة من رجب لم يكن حدثاً عابراً، بل كان “استفتاءً شعبياً” جماعياً وتاريخياً، حيث تُشير المصادر الموثقة إلى أن قبائل همدان أسلمت عن بكرة أبيها في يوم واحد على يد الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، دون أن تُراق قطرة دم واحدة، ودون أي إكراه عسكري، وهو ما يمثل في لغة الإحصاءات التاريخية رقماً قياسياً ودلالة عميقة على الوعي والنضج الحضاري لهذا الشعب. هذا الحدث المفصلي هو الذي دفع الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) ليمنح اليمنيين “وسام الشرف الخالد” في قوله المشهور: “الإيمان يمان، والحكمة يمانية”، وهو حديث نبوي لا يمثل مجرد مديح، بل يمثل “توصيفاً دقيقاً للهوية” يقرن اسم اليمن بصفة الإيمان بشكل عضوي، ليؤكد أن هذه الهوية ليست قشرة خارجية مستوردة، بل هي نابعة
ارسال الخبر الى: