من النقطة نفسها
يعكس الكلام السائد في السياسة الوضع العربي الذي يتدحرج كصخرة في هاوية الحنجرة، تتردد ارتعاشاتها وأصداؤها في الجسد العربي الذي يتأوه ويزفر لغويًا. من ناحية الشكل، يبدو هذا الكلام دائريًا، بمعنى أنه يبدأ من النقطة نفسها وينتهي عند النقطة نفسها.
من ناحية الألفاظ، يمتلئ هذا الكلام بمفردات العسكرة والحرب: معارضة ومولاة، كفاح ونضال، ثوراتٌ وإسقاط نظام، معارك وانتصارات وانهزامات، حملات وخطط واستراتيجيات، أعداء وفلول وعملاءٌ وخونة، حلفاء وأصدقاء، مجازر وقتل وإبادات.
الكل يريد أن يقول رأيه، بشكل أو بآخر، لا أحد يريد أن يصمت
من ناحية المضمون، يؤكّد هذا الكلام، من طرف أو من آخر؛ وهنا قد تبدو المفارقة الكبرى، أن هدفه احترام الإنسان وحقوقه، وأن سعيه الدائم هو توكيد الوحدة والحرية والسلام والعدل والديمقراطية والنهوض والتقدم، ورفض الخلافات والطغيان والانقسامات وأشكال القتل وأنواع العنف والاستبداد!
والكل يريد أن يتكلّم في هذه المرحلة. الكل يريد أن يقول رأيه، بشكل أو بآخر، لا أحد يريد أن يصمت.
هذا النوع من الكلام السائد يلتهم الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية العربية بتجلياتها كافّةً. ولن نستغرب وجود مثقفين يدافعون عن هذه اللغة: لغة الحرب والعسكرة والسلاح، لغة المواربة والتربّص والتخوين والاتهام والتصيّد، لغة نقطة البداية والنهاية نفسها: الصفر.
ثمة نوعان من الكلام - اللغة: كلام يفتح الآفاق نحو التغيير والمستقبل، وآخر يعمل على العكس، إلى إيقاظ صراعات وحروب تعود بالمجتمع إلى الماضي. اليوم يبدو سهلاً التعرف إلى اللغة السياسية والثقافية السائدة في المجتمعات العربية من كلام مثقفيها.
* شاعر ومترجم سوري مقيم في إسبانيا
ارسال الخبر الى: