هل النفوذ الإقليمي صناعة سورية
الحريّة الفاحشة التي أعقبت سقوط نظام الأسد كانت ثمرة انكسارٍ كبيرٍ، لا نتيجة وعي وطني متراكمٍ. كانت حاصلَ ضربٍ للتنوّع السوري عرضَ الحائطِ، في رحلة محمومة للبحث عن تمثيل داخل سلطات محمولة على ضيق الانتماءاتِ، هدفُها قطعُ الطريقِ أمام أي محاولة لتأسيس المواطنة. الجهود العسكريّة غير الوطنيّة، والاستئثار الفردي لجماعة على حساب الجميع، حوّلت مفردات الحوار إلى لغة غريبة، ملوّثة بثقة مفقودة ونعراتٍ باطنيّة، نالت من نُبلِ العمق الديني في سورية، وجرّته إلى التخبّط والتهلكة، حيث تُخاضُ السياسة كمعركة مصالح، لا تعترفُ إلّا بالإقناع القسري لمواطنين فقدوا فرحتَهم بزوالِ النظامِ الشموليِّ، ليولدَ بدلاً منه طيفُ إداراتٍ ذاتيّة، بعضُها يحاربُ فكرة الدولة، وبعضُها الآخر يتغذّى على فشل الدعوات إلى رسم خريطة مشتركة، فيما يُموَّل الباقي من قبَل الدول اللاعبة ليكون ذراعَها في سورية، بعد ستّة عقودٍ من الطغيان وتوريث الديكتاتوريّة إلى أشكال مصغّرة تبدأ من الوعي الذاتي، وتنتهي بانفصالٍ كاملٍ عن طبيعة البلاد وإمكانات الحلّ السلميّ.
لقد كانت الاختبارات الماضية دامية، أنهكت السلطة الحالية وأفقدتها رصيدَها الشعبي بنسب متفاوتة، ورفعت منسوبَ الغضب، لا بين الثوّار التقليديين، بل لدى أصحاب رؤى مغلقة رأَوا في سورية انعكاساً لمقاساتهم فقط. وبينما تراجعت المهارات السياسية وانكفأ الأمن، تحوّلت القيادات الروحية وبعض القيادات القومية إلى بوصلة تحرّك اتجاهات القوة، في ظلّ صعود متشدّدين قبضوا على السلطة، وشرّعوا بانغلاقهم؛ نموّ نزعاتٍ طائفية وقومية تضعف البلاد، وتكاد تمزّق جغرافيتَها الثقافية الممتدة آلافَ السنين.
ثَمّة فرقٌ شاسعٌ بين الخصومة السياسية التي تدار بالعقل والحوار، والخصومة التي تتحوّل إلى كراهية حتى الموت، تدار بالغريزة وتفتح أبواب الخراب للجميع. هذا ما لم تدركه قوى ما بعد السقوط، وهي تعيد إنتاجَ الانقسام أداة حكمٍ، وتحتفظ بعقلية الإقصاء جزءاً من هوية السلطة. التصعيد والاستقطاب والانقسام ليستْ سوى تركات البعث وجيشه، لكنها اليومَ تعود بوجوه جديدة وشعارات ملوّنة، لتعيدَ إنتاج الدمار بأدواتٍ مختلفة.
كلّ طرفٍ خارجي وجد في الجماعات المتناحرة حليفاً جاهزاً، يمنحه شرعية وهمية، ويتيح له أن يمرّر أجندته على أنها حماية أو
ارسال الخبر الى: