من حرب المتفجرات إلى التضليل الإعلامي التكتيك واحد والهدف ذاته

أمضت مطابخ الظل سنواتها في صناعة الخرائط السرية للسقوط السياسي. ليست الحكاية اليوم سوى ترجمة قديمة لأسلوب رخيص يرمي إلى تفتيت الحضور الجنوبي بوابلٍ من الأكاذيب والشماتات، تُطبَخ على نارٍ هادئة في صفحاتٍ صفراء، وتُقدّم على موائد الناس على أنها حقيقة لا مراء فيها. منذ مطلع تسعينات القرن الماضي هذا الحضور يعاني آلة تضليل ممنهجة، هدفها واضح: قمع أي تقدمٍ للجنوب، وإزاحة أي قيادةٍ تُشكل تهديداً لهيمنةٍ ترسّخت لعقود. إنّ الخصم حين فشل في ساحات المواجهة العسكرية والسياسية، لم يجد أمامه سوى تحويل المعركة إلى ساحة إعلامية، حيث الأثر أقل كلفةً وأسهل على القياس. هنا تتبدّل ساحات القتال: من خنادق ومضادات إلى تغريدات ومنشورات؛ من استراتيجية تكتيكية إلى حملة تشويه منظّم. وكم من مرّةٍ رأينا كيف أعادت هذه الآلات تدوير جملة تافهة حتى صارت قضيةً تُلهب الرأي العام وتشرّع أبواب الفتنة! وهنا تستحقّ الإشارة أن هذه الآلية ليست جديدة في مسار الصراع. إنها امتداد لمنهج طويل، يعيد تدوير أدواته بعد كل هزيمة في الميدان. هزم خصم الجنوب في أكثر من جبهة؛ فانهارت رواياته أمام إصرار شعبٍ آمن بقضيته، فانكفأ إلى ما تبقى له: الورق، الصفحة، والهمس الإلكتروني. وبعد كل هزيمة ميدانية يخرج علينا بزمرة من «الوراق المحروقة» يحاولون، بقاياهم، أن يعيدوا تكوين خطابٍ يبقيهم فاعلين في فضاء يُحرمهم من فعله الحقيقي. وعندما يتعرض رمزٌ جنوبي لهجومٍ إعلامي، مثلما حصل مع العميد نبيل المشوشي، لا بد أن ننظر إلى الأمر بمنظار مزدوج: الأوّل كشفٌ لطبيعة العدو ووسائله، والثاني قراءةٌ لأسباب هذا الاستهداف. فمن مارَسَ العبث الأمني بالمتفجرات والاغتيال المادي، يفكّر في توظيف نفس أسلوب الغدر عبر الإعلام كبديل رخيص. المشوشي، وغيرُه من القادة الذين خاضوا معارك تطهير المدن من الإرهاب وتحرير معسكراتٍ كانت تُحتَجز فيها مقدرات الوطن، أثبتوا أن المواجهة الحقيقية لا تنتهي بانتصارٍ ميداني فحسب، بل تستمر بمعارك بناء الثقة وإعادة ترتيب المشهد السياسي والعسكري. لذا، إن ضربهم إعلامياً ليس عملاً عشوائياً بل خطةً مضادةً لجهدٍ منظم
ارسال الخبر الى: