عبد الله الحسيني في باقي الوشم ما الذي يجعلني أنتظر الربيع

٣٩ مشاهدة
كل ما يحدث في رواية الكاتب الكويتي عبد الله الحسيني 2000 باقي الوشم التي حازت مؤخرا جائزة غسان كنفاني للرواية العربية في دورتها الثالثة يحدث في انتظار حدث لا يتم وقد استطاعت الرواية الصادرة عن منشورات تكوين عام 2022 أن تترك قارئها مشدودا إلى حدث لن يأتي منتظرا أمرا يعرف أنه لن يحدث وهو مجيء الربيع بدا مجيء الربيع مقترنا بتحقق الموت لأن الموت وحده يترصد من تقص الرواية حكايتهم إنهم أناس مرميون إلى أقصى الهامش لا تذكرهم حكومتهم ولا يعتد بهم بلدهم كويتيون لا يحملون الجنسية الكويتية الرواية عن البدون عدا أن الرواية تأخذ جانب هؤلاء الذين يعيشون ظروفا صنعها شرط قاس وهو عدم الاعتراف بهم فمكان ولادتهم لا يعطيهم الحق بالانتماء إليه ومن ينجب منهم يعرف أنه يحضر أبناءه إلى مكان ينبذهم وتشريعاته تجعل حياتهم شاقة في المدارس والجامعات والوظائف والطبابة وحتى عند استخراج شهادة الوفاة تعرض الرواية حكاية هؤلاء بصورة بدا أن الحكاية تتكسر أكثر مما تنبني لأن فيها ألما واستحالة ولأنها تبدأ من ذروة الانتظار وتتكشف مصائر الشخصيات مع عبث الانتظار وتنتهي بانتهائه ويستنتج القارئ قبل النهاية أن الانتظار لن يفضي إلى شيء وأنه محض انتظار يجعل من كل يوم يمضي على الشخصيات اقترابا من أجل وموعدا مع أجل مهما فعلوا لن يؤثروا عليه الرواية عن أناس لا يملكون من أمرهم شيئا يعيشون في بيوت ليست لهم ينجبون أبناء لكن سرعان ما يقض عيشهم ندم أنهم أنجبوا واعتقدوا بإمكانية تغيير أحوالهم إذا الرواية بمجملها تنزع عن مجموعة من البشر فاعليتهم وتظهرهم أشخاصا منزوعي الغد الربيع الذي تنتظره الجدة طوال سبعين عاما نعرف أنه مرتبط بذكرى عزيزة عليها هي ذكرى الوشوم التي رسمتها على جسدها سيدة غجرية كانت تجيء إليهم في الربيع وقد تبعتها في المرة الأخيرة كي ترسم لها زهرة النوير وغامرت بالخروج عن إرادة والدتها وكسرت خوفها بلحاق الواشمة الغجرية واجتياز المسافات بمفردها ما صنع شخصيات الرواية هو تهديد ألا يكون لها بيت نعرف أيضا أن قطيعا كانت الجدة ترعاه مات من البرد وقلة الموارد فيما كانت تنتظر قدوم الربيع حدثان ارتبط بهما الربيع أحدهما ذكرى حضوره والآخر ذكرى انتظاره لكن الرواية غنية بالأحداث التي تجري مع عائلة تعيش ببطاقات مؤقتة ويعز على القارئ أن يدعوها عائلة كويتية فهم لا يملكون جوازات ولا يحملون جنسية وكل الأحداث التي تجري مع تلك العائلة بأجيالها الثلاثة لا تعدو كونها أحداثا تحمل فلسفة انتظار المسرحي الأيرلندي صموئيل بيكيت 1906 1989 لولا أن الحسيني أغلق ذلك الانتظار البارع بحدث الموت تموت الجدة في الصفحات الأخيرة مع ذلك يشعر القارئ أن عقدا انفرط ومع انفراط العقد أعيد ترتيب حكاية العائلة إذ تعود غرفة الصفيح التي بناها الأب كي يحضر لزواج ابنه وقد قررت الجدة أن تسكن فيها لتراقب النجوم وتقرأ اقتراب الربيع تعود إلى الابن وعروسه وكان عرسهما أحد الإشارات التي تظهر عار التمييز إذ عندما غفلوا عن مراقبة الجدة وضعت أغنية خاصة بالبدون وأخذت ترقص ما أقلق العائلة التي أتاحت لها وظيفة الأب العسكرية أن يسكنوا بيتا سيخرجون منه ما إن يتقاعد وأتاح لهم إخفاء أصولهم بادعاء الانتماء إلى إحدى القبائل إلى جانب أنهم مشمولون بإحصاء عام 1965 أن تكون لهم حظوة الحصول على جنسية وجواز سفر في يوم ما مع ذلك فالأغنية تشعرهم بالتهديد وبأنهم قد يخسرون ما يتمتعون به ولو أنه بالقليل من التدقيق فإن الأمر الوحيد الذي يحوزونه هو الانتظار يكاد يكون الأمر الوحيد الذي يفعله الراوي في هذه الحكاية مراقبة تلك الشخصية الاستثنائية المؤثرة التي صنعها الحسيني وهي الجدة حمضة السحاب الجدة التي أكل البرد عظمها في قيظ الكويت بلا شك القارئ يستسلم لقوانين الرواية إن كانت رواية متقنة مثل باقي الوشم وهكذا نستسلم لشعور الجدة بالبرد الدائم وشعورها هذا يقابل شعور إحدى بناتها التي استطاعت أن تصل إلى كندا وأن تنجب أطفالا هناك كنديين واستطاعت بناء تواصل مع العائلة عبر كاميرا اللاب توب وقد أشهرت جوازها الكندي أمام الكاميرا فهي لم تكن كويتية يوما ربما يكون برد الجدة هو برد ابنتها التي دفنت في الثلوج تفسير يمكن أن يضاف إلى ما يقترحه النص لبرد الجدة في الأحوال جميعها ما جمع هؤلاء ليس بيت الصفيح أو المساحة الضيقة التي منعتهم من إقامة عزاء للجدة في بيتهم وإنما ما جمعهم الانشغال المؤلم بتفسير العلاقة مع المكان وما صنع شخصياتهم ليست بيوتهم كما يذهب الفيلسوف الفرنسي غاستون باشلار 1884 1962 إلى تفسير العلاقة بين البيت وساكنه إنما ما صنع شخصياتهم هو تهديد ألا يكون لديهم بيت الأب مهزوم يرفض استخدام زوجته مانع الحمل والابن مهزوم تدس والدته لزوجته حبوب منع الحمل وهم أشخاص تقض عيشهم أسئلة مضنية هل نقبض رواتبنا في الغد هل نستطيع التسجيل في المدرسة أو الجامعة في العام القادم وهل لدينا خيارات أصلا فالاختيار لم يكن من شأنهم باقي الوشم وهي ثاني رواية للحسيني بعد لو تغمض عينيك 2017 نص موجع قادته موهبة مؤكدة جمعت سعة المخيلة وبساطة التعبير ومباشرته وقبل ذلك أمانته وقراءته للواقع من غير تحامل حتى الاعتراضات التي كانت تحدث يمثلها الابن الذي تزوج وشهدنا عرسه ونعرف أنه لم يكمل دراسته وقرر أن يعمل بائعا بسيطا واستمر يغرد على تويتر غاضبا وسط خوف العائلة عليه إلا أن رفضه تطوير حياته واعتكافه ليسا إلا ترجمة للرفض الذي يقترحه النص وكأنما باقي الوشم التي أضافت إلى الأدب العربي شخصية تنتظر الربيع ليست إلا اعتكافا أليما عن تغيير لا يأتي روائي من سورية

أرسل هذا الخبر لأصدقائك على

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2024 يمن فايب | تصميم سعد باصالح