اللاجئون السوريون ضحايا مأزق الهوية والهجرة في قبرص
٢٣ مشاهدة
شهدت العاصمة القبرصية نيقوسيا أخيرا لقاءات دبلوماسية أوروبية للتصدي لظاهرة الهجرة المفرطة إلى الجزيرة المتوسطية خلال الأسابيع الماضية بعدما توافد مئات المهاجرين السوريين عبر البحر من لبنان وعقد عراب هذه اللقاءات وزير الداخلية القبرصي كونستانتيونس إيوانو اجتماعا مع نظرائه اليوناني والتشيكي والنمساوي والبولندي والإيطالي والدنماركي والمالطي وقال في البيان الختامي للاجتماع تغيرت الأوضاع في سورية وبات من الضروري إعادة تقييم الوضع الأمني في هذا البلد على المستوى الأوروبي هناك حاجة ملحة لتحديد تدابير واقعية لإدارة الهجرة بشكل أكثر فعالية فهي لم تعد مسألة ذات بعد داخلي وستصل آثار تدفق المهاجرين إلى غالبية الدول الأوروبية وواضح أن هذا التدفق لن يتوقف وأوضح البيان أن المجتمعين ركزوا على البعد الخارجي للهجرة وطالبوا بالاهتمام بالبلدان المجاورة لسورية والقريبة من دول الاتحاد الأوروبي مثل لبنان ومصر باعتبارها تتحمل عبئا كبيرا بسبب أعداد المهاجرين الوافدين إليها وبناء على ذلك حث البيان الدول الأوروبية على تقديم الدعم المالي واللوجستي لهذه الدول من أجل تعزيز إدارتها ملف المهاجرين السوريين بشكل أفضل ما يحد من خروج المهاجرين منها إلى أوروبا وكانت قبرص قد علقت طلبات لجوء السوريين إلى أجل غير مسمى ووضعت دائرة خدمة اللجوء في العاصمة نيقوسيا أكثر من 30 ألف طلب لجوء لسوريين في الأرشيف منذ منتصف إبريل نيسان الماضي بالتزامن مع ذلك نسقت قبرص مع لبنان العمليات الأمنية وزار الرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليدس برفقة رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين بيروت ثم أعلن الاتحاد الأوروبي تقديم حزمة مساعدة مالية للبنان مقدارها مليار يورو تغطي معظمها مسألة النازحين والمهجرين السوريين وأوضحت فون ديرلاين أن الأموال ستنفق لتعزيز قدرة لبنان على احتواء تدفق هجرة السوريين ومراقبة الحدود ومكافحة شبكات تهريب المهجرين والاتجار بهم لكن الأمر لم يتغير على أرض الواقع في قبرص رغم ان نيقوسيا تحاول منذ نحو عامين لعب دور وسيط إقليمي للحد من الهجرة السرية للسوريين إلى الجزيرة وأوروبا وكانت قبرص اتخذت خطوات مماثلة في ملف المهاجرين بلا نتائج مثمرة خلال عهد الرئيس السابق نيكوس أناستاسيادس إذ ظهرت مجموعة مشكلات أبرزها تأخير حصول السوريين على أجوبة في شأن قرارات لجوئهم رغم أنه كان قد انقضى وقت طويل على انتظارهم هذه الأجوبة في ظل إقامتهم في مخيمات استقبال مؤقتة ذات تجهيزات سيئة في منطقة بورنارا قرب نيقوسيا وبررت الحكومة تأخر الأجوبة بقلة توفر عدد كاف من الموظفين العاملين لدراسة طلبات اللجوء وحين حلت مسألة الموظفين حسمت بعض طلبات اللجوء لكنهم واجهوا إشكالية ثانية تمثلت في أن إدارة خدمة اللجوء في قبرص تمنح اللاجئين السوريين نادرا وثيقة سفر وفي غالبية الحالات منحت هذه الإدارة اللاجئين إقامات مؤقتة تعرف باسم الحماية الثانوية لمدة عامين قابلة للتجديد لكنها لا تؤهل حامليها للسفر ضمن دول الاتحاد الأوروبي من دون الحصول على تأشيرة قنصلية من البلد الأوروبي المراد السفر إليه كما يجب أن يملك اللاجئ كفالة مالية في بنك قبرصي تناهز 30 ألف يورو ويستخدم جواز سفره السوري فقط وتضع إقامة الحماية الثانوية آلاف المهاجرين السوريين في قبرص أمام خيار البقاء الإجباري في الجزيرة التي تعاني اليوم من أزمات اقتصادية متصاعدة ليس آخرها غلاء أسعار الطعام والكهرباء وارتفاع إيجارات البيوت وفيما يحمل معظم المهاجرين السوريين الذين يصلون إلى قبرص تصورا مسبقا لبلد أوروبي يطبق برنامجا واضحا للجوء على غرار ما تقدمه دول أوروبية مثل ألمانيا وفرنسا وبلجيكا لكنه يبقى غير دقيق بحسب ما أثبتت التجارب طوال عقد من اللجوء إذ كانت قبرص من أسوأ البلدان بالنسبة إلى اللاجئين السوريين فهي استفادت من مساعدات الاتحاد الأوروبي الخاصة باللاجئين لكنها لم تدعم دخولهم المجتمع أو تعليمهم اللغة اليونانية كما لم تتعامل بجدية مع مهاراتهم في ميادين العمل وتجاهلت محاولة المساهمة في إعادة تأهيلهم لجعلهم جزءا من طبقة فاعلة في المجتمع يقول صحافي في محطة تلفزيون سيغما القبرصية لـالعربي الجديد نحن قلة قليلة جدا والجميع يريد التأثير على هويتنا وهذا ما يردده المجتمع المحلي في الإعلام أو عبر أحزاب اليمين المتطرفة وعلى رأسها حزب إيلام فهم يركزون على جزئية الهوية الدينية لغالبية اللاجئين السوريين وهي الإسلام أي الديانة الثانية في الجزيرة وفي العمق التاريخي لأزمة انقسام جزيرة قبرص إلى شطرين يوناني وتركي عام 1974 تبرز أزمة انقسام ديني كبيرة وانعدام ثقة في المشهد السياسي فالقسم الشمالي من الجزيرة الذي يشكل نحو 33 في المائة من مساحة البلد يعيش فيه القبارصة الذين يتبعون الدين الإسلامي وتسمى قبرص التركية والقسم المتبقي الأوسع الذي يضم نحو 67 في المائة من مساحة الجزيرة يعيش فيه القبارصة الذين يتبعون الدين المسيحي وتسمى قبرص اليونانية والقسم الشمالي غير معترف به دوليا سوى من تركيا والقسم الجنوبي دولة ذات سيادة معترف بها في العالم ويعتبر القبارصة اليونانيون شمال الجزيرة دولة كاذبة ويشعرون باستياء من زيادة المهاجرين الذين باتوا يشكلون نسبة 7 في المائة من سكان الشطر الجنوبي وهم ينظرون إلى مسألة المهاجرين باعتبارها خطرا على الأمن القومي بحسب ما قال الرئيس القبرصي خريستودوليدس لشبكة المحررين الألمانية أخيرا ويشير ذلك إلى أن الحكومة القبرصية لا تريد استثمار اليد العاملة من اللاجئين خصوصا القادمين من دول العالم الثالث بحسب تعبير نظام العمل القبرصي الذي لا يسمح لهؤلاء إلا بالعمل في مهن محددة أكانوا لاجئين أو وافدين بعقود عمل مؤقتة وفي المقابل تشير تقارير أصدرها اتحاد العمال والصناعيين القبارصة إلى أن هناك نقصا كبيرا في العمال في الشركات القبرصية وأنه وصل إلى ذروته بسبب معدل التطور الملحوظ في سوق العمل القبرصية ويظهر هذا النقص في قطاعات السياحة والغذاء والاحتياجات المرافقة لهما وتورد التقارير أن الحاجة ملحة للمهن الفنية المرتبطة أيضا بالصناعات التحويلية والبناء كما يحتاج قطاع البيع بالتجزئة متطلبات كبيرة من العمال يصعب أن يغطيها القبارصة بحسب ما كشف مسح رسمي أكد عدم توفر الموارد البشرية المطلوبة للعمل في هذه القطاعات وهكذا يبدو أنه يتوفر للاجئين فرص عمل في قطاعات عمل تعاني من نقص كبير لكن السلطات تمنع حصولهم عليها وفي جولة ميدانية سريعة لأماكن يكثر فيها وجود اللاجئين السوريين تقع العيون مباشرة على ورش البناء الجديدة حيث يندر إيجاد شبان قبارصة يعملون فيها أو في مجالات إعمار أخرى مثل التمديدات الصحية أو النجارة أو الباطون ويعمل غالبية هؤلاء اللاجئين من دون ضمان اجتماعي أو صحي بسبب تأخر الإجابة أو تأجيل البت في قرارات لجوئهم وفي الخلاصة يبدو جليا أن هناك خوفا من التأثير على ديموغرافيا قبرص ما يجعل اللاجئين السوريين ضحايا لمأزق الهوية والهجرة في قبرص وشهد العام الحالي زيادة في عدد المهاجرين الذين قدموا إلى قبرص بمقدار 27 ضعفا حتى الآن مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي وبحسب إحصاءات وزارة الداخلية القبرصية وصل نحو 2140 شخصا في قوارب إلى الدولة الجزيرة العضو في الاتحاد الأوروبي خلال الفترة الممتدة من الأول من يناير كانون الثاني إلى 4 إبريل نيسان من العام الحالي وغالبيتهم من المواطنين السوريين الذين غادروا من سواحل لبنان وكانت الفترة نفسها من العام الماضي شهدت وصول 78 شخصا فقط بالقوارب إلى الجزيرة