الكتابة في زمن بلا شهود

32 مشاهدة

في الأزمنة التي تختلّ فيها شروط الإصغاء، تتوقف الكتابة عن ممارسة فعل تواصل تبادلي، لتصبح، بقدرٍ ما من التأويل، مسألة تحديد موقع: من يتكلم، ولأي فراغ، وضمن أي افتراض أخلاقي عن وجود شاهد محتمل. من هذا الموضع تحديداً، تبدأ الكتابة، اليوم، بوصفها تفكيراً في العلاقة التي تفكّكت بين القول ومن يُفترض أن يتلقّاه، أو بعبارة أخرى: بين القارئ والكاتب.
لم أكتب يوماً سعياً إلى قارئ، ولم أكن أتصوّر العلاقة بيننا علاقةَ استهلاك أو تفاعل. القارئ في تجربتي، لم يكن رقماً ولا جمهوراً بقدر ما كان افتراضاً أخلاقيّاً: وجوداً آخر يُفترض أن يرى ما أراه، ويمنحه صفة الواقع. الكتابة، في هذا المعنى، ليست خطاباً موجّهاً، إنما محاولة تثبيت لما يتفلت من الذاكرة، لما يتسرّب من بين أصابع اليد، تسجيلاً لما يخشى أن يضيع في الضجيج العام أو في النسيان السريع. غياب القارئ هنا لا يُحدٍث سوء تفاهم، وإنما يُحدِث فراغاً في الشهادة. النص يظلّ قائماً، لكن بلا من يؤكّد أنه لم يكن هلوسة فردية، بلا من يعترف بأن ما كُتب لم يكن مبالغةً ولا ترفاً لغويّاً، بقدر ما كان أثراً حقيقيّاً لتجربة عيشٍ لا يمكن ردّها إلى الصمت. لذلك لا أشعر اليوم أنني أكتب في عالم توقّف عن القراءة، وإنما هو عالم لم يعد يمتلك طاقة أن يكون شاهداً. عالم يتقدّم مثقلاً، مثخناً بالهزائم، حيث تصبح القراءة فعل مواجهة مؤلما أكثر من كونها فعل معرفة. في هذا السياق، يتحوّل غياب القارئ من فشل تواصلي إلى علامة زمنية: زمن تتراكم فيه الوقائع أسرع من قدرتنا على الاعتراف بها، ويصبح فيه النص نداءً معلّقاً، لا يبحث عمّن يجيبه، وإنما يبحث عمّن يجرؤ على الإصغاء من دون أن يشيح بوجهه.
لم تتغيّر اللغة بعد سقوط النظام في سورية بقدر ما تغيّر موضعها. الكلمات نفسها، الأدوات نفسها، لكن الفضاء الذي كانت تُلقى فيه انزاح. ما كان يُكتب سابقًا بوصفه تحريضاً على الواقع، صار يُكتب داخله، جزءاً من كتلة هذا الواقع الثقيلة، خطاباً موازياً له (وإن

ارسال الخبر الى:

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2016- 2025 يمن فايب | تصميم سعد باصالح