الكتاب غزيرو الإنتاج
لا يخلو موضوعنا هذه المرة من بعض الطرافة، وليس المقصود السخرية من الأدباء. هناك من يتهم بعض الروائيين بكثرة الإنتاج، مع أنهم يُصدرون رواية كلّ سنتين أو ثلاثة، بينما غيرهم يعصرون دماغهم، لينتجوا كلّ خمس سنوات كتاباً. يمكن القول إن بعضها ذو جودة عالية، حتى أنه يمكن الاكتفاء بكتاب واحد ليحتلّ الروائي مكاناً لافتاً في عالم الرواية، كما هو الحال مع إميلي برونتي وروايتها مرتفعات ويذرنغ، أو ذهب مع الريح لمارغريت ميتشل (الرواية الثانية اكتشفت بعد وفاتها، ويبدو أنها لم تكن راضية عنها)، ورواية الحارس في حقل الشوفان للروائي ج. د. سالنجر (كتب أيضاً بعض القصص القصيرة).
إنّ الحصول على رواية عظيمة من كتاب واحد، ليس ممكناً فقط، بل متوقعٌ، وهي حقيقة لا مراء فيها، وربما لو كتب الروائي ما يزيد عن عشر روايات، قد تنجو رواية واحدة. بينما هناك من ينشر ثلاث أو أربع روايات، ثم يتناسى الكتابة والرواية، بعدما ظفر بلقب روائي. أما الكتّاب غزيرو الإنتاج من الأنواع الذين يكتبون بكثافة لافتة، فيتجاوزون هذه الأرقام الهزيلة؛ وينكبّون على الكتابة، ويتركون وراءهم عدّة عشرات من الكتب، لم تكن لتنجز لولا أنهم اتبعوا نظاماً حديدياً.
يمكن تصور حياتهم بشكل مجمل. يستيقظ الكاتب صباحاً في السادسة أو السابعة، يتناول فطوره ويقضي مشاغله ومنها ممارسة الرياضية الخفيفة. ويجلس إلى مكتبه في موعد لا يتجاوز التاسعة، ويُواصل الكتابة بإصرار لمدة ثلاث أو أربع ساعات، يكتب خلالها نحو ألف إلى ألفين كلمة، حسب ما اعتاد على الورق أو على اللابتوب.
وإذا ما زلنا نتصور (لكن من الواقع، وإن كان لا ينطبق تماماً على كل حالة) فسوف نرى الكاتب منحنياً فوق الأوراق البيضاء، يسطّر فوقها بقلم الحبر أو الرصاص، ونسمع وقع القلم على الورق، أو لمسات وربما ضربات أصابعه على لوحة مفاتيح الحاسوب، وسواء كانت هناك نافذة مفتوحة تطل على الأشجار المورقة أو الجرداء، أو جدار إسمنتي، يرمقها بنظراته، لكنه لا يرى سوى تسلّل ضوء النهار. هل هذا ما يُدعى بصومعة الكاتب، أو
ارسال الخبر الى: