القرن الرابع عشر ينهار

كانت إيران على موعد مع الفجر الآخر، فجرٍ أحال ظلمتها إلى وميض عظيم، اخترقت قاذفات اللهب الأسطورية سماء البلاد الملبدة بالخرافة، وانتهى الأمر بثلاث شموس كبيرة أضاءت ليل إيران الأسود منذ 40 سنة.
على الطرف الآخر من الكوكب، في القاعة التي تُقفل أبوابها بقرارات تغير خارطة الشرق، زحف الزمن ببطء، مختنقًا كان بعقاربه، والأرض تدور على رؤوس أصابعها، تتحسس نبض طهران، وتنتظر رعشة الأمر الصادر من شفاه رئيس لا يعرف الخوف.
إنه ترمب، من صنع الخوف وطعنه في قلبه. وقف الرئيس الأمريكي يُحدّق في سماء انطفأت فيها النجوم، ثم أشعلها بتغريدة ساخرة.
فتح مساعده باب المكتب البيضاوي، متأبطًا تقارير بلون الرماد، وعيناه تستجديان الشرح لما لا يُفهم. ارتجف صوته بين الجدران المذهّبة، وقال بجملة لا يليق بها الموقف: نخاف من الانتقام.
استدار الرئيس ببطء، تفحّص وجه مساعده كأنه يراه للمرة الأولى، يقرأ عليه تاريخ الشرق الأوسط في سطر، ثم بصق الكلمات، بالسؤال: هل قرأت التاريخ؟ .. اهتز رأس المساعد، وعقد حاجبيه، ارتبكت أطرافه، وتهجّأ الصمت.
حينها تقدّمت العبارة التالية من فم الرئيس مثل آية قديمة نُفخت فيها الحياة: منذ أربعة عشر قرنًا، يرددون اسم الحسين في كل مأتم ، ولا شيء تغيّر، سوى عدد القبور.
ابتلع المساعد ذهوله، وضحك بأحرف زجاجية، عرف أن البكاء وسيلة آيات الشر في طهران منذ 1400 سنة، لا يجيدون سوى النواح، والعدو لا يُنتقم منه بالدموع.
ضحك المساعد وما بين ضحكته، وقهقهة ترمب وضوء الشاشات المتوهجة، بدا المشهد كله مسرحية من تأليف التاريخ ذاته: ممثّلون بأزياء رسمية، عبارات تقطر بالتهكّم، وحرب تولد من رحم السخرية.
جاءت ضحكة المساعد مكسورة، ساعده جي دي فانس في الضحك، وامتلأت الغرفة بنشيد الضحكات المشحون، حتى ظنّت الأقمار الصناعية أن صافرات الإنذار انطلقت.
ومن خلف الأطلنطي، ارتدّ الصدى نحو قم وطهران ودمشق وصنعاء، صار الضحك مثل قذيفة انشطارية، والعبارات ذاتها أصبحت أسلحة صوتية تُحطّم أوهام الثورة التي ماتت في السرداب بانتظار صاحب الزمان الذي لن يأتي.
في مدينة قم، سقطت
ارسال الخبر الى: