محمد حمدي 2 2 القاهرة مدينة جد غريبة وشديدة العنف بصريا
(*) الجانب النباتي في الفيلم وارتباطه بفكرة الجمود، وتصوير الفضاءات الفارغة والموحشة وإحالتها إلى فكرة الاغتراب، كلّها أشياء نلمسها في أفلامٍ مصرية أخرى مهمّة أُنجزت في السنوات الأخيرة، كـلا أحد هناك لأحمد مجدي، وورد مسموم لأحمد فوزي صالح. هل تعتقد أنّ هذه الأفلام تؤشّر على تشكّل تيار سينما اغتراب في السينما المصرية؟
أترك هذا لقراءتك، إذْ يصعب عليّ الحكم في ظلّ انشغالي وغوصي في عملي. منظور النقد مهمّ، لأنّ الفنان ليس واعياً تماماً بما يصنعه، ومن أدوار النقد، كما تعلم، أنْ يأتي في مرحلة موالية، ويقول: يوجد أمرٌ ما يحدث هنا. الانشغال بالعمل والغرق فيه يجعلانك كـحمار مربوط في ساقية (يضحك). تدور وتدور حول الفكرة نفسها، وتفاصيل بعينها، فتغدو غير قادر على الوعي بكل أبعاد العمل، وتقاطعاته مع أعمال أخرى.
(*) كيف اشتغلتَ على تصوّر الفضاء؟ خصوصاً أنّ في طريقة تصويرك القاهرة فارغةً محواً لأبعاد المكان. لكنْ، هناك في الوقت نفسه، شعورٌ دفين بأجواء القاهرة.
القاهرة مدينة جدّ غريبة وشديدة العنف بصرياً، وفاقدة أي نوع من أنواع الانسجام. ما إنْ تنتقل من منطقة إلى أخرى، حتى تجد صعوبة لتستوعب أنّك لا تزال في المدينة نفسها. يدور فيها صراعٌ طبقي ضارٍ، وهناك أشكال متعدّدة منه. هذا ما سمح لي بأنْ أتصوّر أنّ القاهرة يُمكن أنْ تغدو مكاناً خيالياً. هناك لفظة بالعامية المصرية تُعبّر جيداً عن هذا: التلصيم، معناها أنّك بدلاً من أنْ تصلح مائدة، تُرقّع الخلل مؤقّتاً ببرغي من هنا، وحبل من هناك.
أرى أنّ القاهرة مدينة مُلصّمة. مدينةٌ تبدو على شفا كارثة في كل لحظة، لكنّها تأبى أنْ تنهار. هذا جعلني أنظر إليها كمكان خيالي. كان سهلاً عليّ أنْ أحدّد الأماكن المؤاتية لهذه الرؤية، خصوصاً أنّي تربّيت فيها، وأعرفها جيّداً.
في الوقت نفسه، أجد في ذلك بلاغاً سياسياً بشكل من الأشكال، خصوصاً في اختيار اللون. لست فناناً تشكيلياً، ولم أدرس اللون بحيادية. في نظرية الألوان (عمل ليوهان فولفغانغ فون غوته، يطرح فيه نظرته عن طبيعة الألوان والأطياف،
ارسال الخبر الى: