الفندم خنفس البنشري قصة قصيرة
٧٢ مشاهدة
كتب د. الخضر حنشل
استيقظ هو والعصافير من مرقدهم على صوت المؤذن وهو يدعو الناس إلى الصلاة، وترك النوم، غادر المسجد مع نسيم الصباح الباكر حاملاً عدته (السطل والمجرفة) ومضى ميمماً وجهه شطر رصيف الأسفلت المحاذي لساحل أبين (بحر العرب).. سار وحيداً مسرعاً تاركاً وراءه الحي، والشارع والناس وكان عليه أن يقطع مسافة طويلة حتى يصل إلى الرصيف.. أخذ يخطو وفي كل مرة يتحسس عدة العمل محدثاً إياها: ياعدتي المفضلة هي بنا إلى الرصيف هناك سأقضي بكما على لون الحداد الذي يغشى روحي، وبكما سأقبر وحدتي وفاقتي.. الآن أدركت بعد أن زحف الشيب على رأسي، واكتسحت الهموم صدري أنه لا فائدة من استجداء التجار، وأرباب العمل لقد مر زمن ليس يسيراً وأنا أتمرغ أمام محلاتهم ولاجدوى.. كانوا يديرون ظهورهم نحوني غير عابئين بي ناصبين أمامي حائطاً عالياً من الشروط والطلبات.ولسبب ما تجلت لعينيه صورة حزام الوغد التاجر الذي نهره بعنف من أمام محله التجاري.. (أبعد من هنا فلسنا في حاجتك أذهب بعيداً عن المحل لا حاجة بنا إلى عمالة).
سعيد رجل معدم لا يملك من حطام الدنيا غير تركة ثقيلة ينوء كاهله بحملها ورثها بعد موت والده منذ سنوات أم طاعنة في السن طريحة الفراش وأربع بناتها. وجد نفسه في معترك الحياة بلا دليل ولا مرشد مازال عازباً مع أنه قد تخطى الأربعين..
كلما واصل سيره التفت نحو مدينته الساحلية وخيل إليه أنها تغوص في بحيرة من الوحل والملح.. وفي هذه الأثناء تراءى لعينيه مجموعة من العمال يحملون أمتعتهم فقال في سره: هاهم ذاهبون إلى سوق الحراج في الشارع الغربي للمدينة سيمر النهار وهم قاعدون على الأريكة يهرعون في تزاحم إذا رأوا شخصاً فيمطروه بالأسئلة أتريد معلم أم عامل، أم سباك.. الخ. تظل أبصارهم شاخصة تترقب المجهول غير عابئة بحرارة الشمس التي رسمت على وجوههم أغواراً وأخاديد يصعب ردمها.. كنا معاً في خضم المجهول نجلس القرفصاء، وعيوننا يمزقها الترقب والبؤس يعبر بنا الزمن في امتداده القصري وسواعدنا معطلة خاوية..
أرسل هذا الخبر لأصدقائك على