الفلسفة التفكيكية والغموض الإرهابي

30 مشاهدة

استخدم ميشيل فوكو هذا التعبير obscurantisme terroriste في وصفه لنصوص دريدا، حين اشتكى له جون سيرل من صعوبة فهم تلك النصوص، ومن كونها غامضةً جدّاً، ومن إنّه لا يمكن الوصول مع دريدا إلى المعنى الصحيح لكلامه، لأنّه، في كلّ مرّةٍ، كان سيرل يقول لدريدا إنّه يقول كذا وكذا، كان يقاطعه بالقول: أنت لم تفهمني. وقد شرح فوكو لسيرل وصفه لدريدا، أو لأسلوب كتابته، بهذا التعبير، بالقول إنّ دريدا يكتب بأسلوبٍ غامضٍ، لدرجة أنك لا تستطيع فهم ما يقوله، وهذا هو جانب الغموض، وعندما تنتقده، يمكنه، دائماً، أن يقول: (لم تفهمني؛ أنت أحمق). وهذا هو جانب الإرهاب.

هناك تاريخٌ طويلٌ وحافلٌ بين فوكو ودريدا، وقد بدأ بعدم استساغة فوكو لنصوص دريدا منذ أن كان دريدا طالباً جامعيّاً. ففي حادثةٍ طريفةٍ تمثّلت في أنّ دريدا قدّم نصّاً لأستاذه ألتوسير في الجامعة، فاحتار ألتوسير في مضمون النصّ، وطلب من فوكو مساعدته في تقييمه. فقال له فوكو إنّ هذا النص يستحق، إمّا أعلى درجةٍ ممكنةٍ أو أدنى درجةٍ ممكنةٍ. ولم يحسم فوكو موقفه من قيمة النصّ الذي بدا له مراوغاً ومُربكاً وغامضاً. واستمرّ هذا التاريخ بنقد دريدا لرؤية فوكو الذي رأى، في تأريخه للجنون، أنّ ديكارت أقصى الجنون في تأسيسه للعقل، وحاول إعادة الاعتبار للجنون. فقد رأى دريدا أنّ فوكو قد أساء قراءة أو فهم نصّ ديكارت الذي يستوعب لحظة الجنون في إطار تفكير العقل أو التفكير العقلاني، وشدّد على أنّه ليس هناك من بديلٍ للعقل حتى في التأريخ للجنون وفي محاولة إعادة الاعتبار له. فمحاولة إعطاء صوتٍ لما هو خارج العقل لا يمكن أن تجري إلّا بلغة العقل نفسه. فلا يوجد خارجٌ مطلقٌ للعقل أو اللغة. وكلّ خطاب يدّعي تمثيل الجنون، أو يقوم بنقد العقل، يقع، بالضرورة، داخل نظام العقل الذي ينقده. ولن أدخل الآن في تفاصيل العلاقة بين هذين الفيلسوفين اللذين يُصنَّفان، معًا، على أنّهما من فلاسفة ما بعد الحداثة. ولست متأكداً مَن منهما مظلومٌ أكثر، بهذا الجمع وذاك التصنيف، خصوصاً حين

ارسال الخبر الى:

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2016- 2025 يمن فايب | تصميم سعد باصالح