عن الفكرة الانتصارية المنتشرة في سورية
تنتشر في النقاشات السورية اليوم فكرة قديمة وسطحية لكنها لا تموت، تقول إن الانتصار دليل على صواب المنتصر. تظهر هذه الفكرة اليوم لدى جمهور يريد أن يقول إن انتصار هيئة تحرير الشام ومحيطها الفصائلي في سورية دليل على صحة نهجها، ويعيدون النظر في كل انتقاد سابق على ضوء هذا الانتصار. يجتمع كثيرون على تنزيه المنتصر في كل زمان، الانتهازيون وطلاب السلطة والمتملقون والجبناء والموالون للقوي ... إلخ. لكن المقلق أن قطاعاً واسعاً من الشعب السوري يشارك هؤلاء نظرتهم، بعد أن توصل، بفعل الإجرام المديد لنظام الأسد، إلى اختصار الصواب بفعل واحد، إسقاط النظام من دون أي شيء آخر. مصدر القلق أن نشوة الخلاص من نظام الأسد تعيق كثيرين من الناس عن ملاحظة العمل الحثيث لأهل السلطة الجديدة على تأسيس نظام شبيه، سيجدون نفسهم ضحيّته، ولكن حين يغدو من العسير عليهم إصلاحه.
عند بعض المهتمين بالشأن العام السوري، ممن يعبّرون عن أفكارهم السياسية للعموم بطرق مختلفة، تتحوّل هذه الفكرة الانتصارية إلى مدخل لتبخيس أفكار (وتصورات) الوطنيين السلميين والديمقراطيين السوريين الذين فشلوا لأنهم لا يجيدون لغة الخنادق، ولأنه تبين أن طريقهم لا يصل بأصحابه إلى القصر الرئاسي، وهكذا عليهم اليوم أن لا يعارضوا المنتصرين، بل عليهم أن يتعلّموا منهم بالأحرى.
يذكر هذا الميل الانتصاري المنتشر بالقصة التالية: في يوم صيفي حار، وقف رجلان على مفرق الطريق المؤدّي إلى قريتهم. الأول فلاح فقير. والثاني رجل متعلم له منصب في الدولة، ولكنه نزيه في عمله فلم يستغل منصبه للاغتناء واقتناء سيارة خاصة تحميه من مشقة انتظار سيارة عابرة تنقله إلى قريته. وسط ثقل الانتظار تحت شمسٍ حارقةٍ توجه الفلاح إلى رفيق انتظاره وقال: أعلم أنك رجل نزيه ولم تنخرط في الفساد كغيرك، ولكني أقول لك، بكل قناعة، إن مرور أحد الفاسدين بسيارته الخاصة الآن وتوقفه لإنقاذنا من هذا الحريق أفضل عندي من كل نزاهتك.
يبدو للبعض أن المشكلة تكمن في أفكار المعارضة السلمية الديمقراطية التي لم تستطع إسقاط النظام، ويبدو الحل في القوى التي
ارسال الخبر الى: