الفقر الذي يلتهم الوطن
حين يتحوّل الخبز إلى حُلم في وطنٍ كان يُقال عنه يومًا أم الدنيا، تصبح الكرامة رهينة في طوابير الذل، والنفَس يُستدان من صندوق النقد الدولي، والرغيف يُشترى بالدَّين. هذه ليست نبوءة، بل مشهد يومي في مصر؛ التي أنجبت محمود عباس العقاد، وسيد درويش، وأحمد عرابي، والشيخ كشك. مصر التي تُهان اليوم على يدّ من لا يسمع، ولا يرى، ولا يخجل.
عندما أعلن البنك الدولي أنّ خطّ الفقر العالمي يبدأ من 6.8 دولارات في اليوم، أي ما يعادل قرابة 320 جنيهًا مصريًّا، برزت أمامنا حقيقة صادمة: الغالبية العظمى من الشعب المصري يعيشون تحت هذا الخطّ القاسي، بل انحدروا إلى ما دونه بخطوط مؤلمة، تنزف معها آدميتهم وكرامتهم.
تحوّلت أبسط متطلّبات الحياة إلى رفاهية بعيدة المنال، وصار شراء كرتونة بيض قرارًا استراتيجيًّا للعائلة، وأصبح الحليب حلمًا في حقائب الأطفال، ودواء المرضى أضغاث أحلام.
في وطننا، ومن كثرة أكاذيب النظام الحاكم، باتت الأكاذيب تتساقط كما تتساقط أوراق التوت، فتكشف العورات. فكلّما صرخ نظام عبد الفتاح السيسي بانتصاراته الوهمية، أصدرت المنظمات الدولية تقارير تُسقط تلك الادّعاءات وتكشف زيفها.
الوطن لا يُبنى بالمباني الشاهقة، بل ببناء الإنسان. وإذا هُدم الإنسان، سقطت كلّ الأوهام
وحين أعلن السيسي في استعراض فجّ أنّ الحدّ الأدنى للأجور هو 6000 جنيه شهريًّا، أي أقل من خط الفقر العالمي، فضح تقرير البنك الدولي المأساة؛ شعب يُعزَل عن الحقيقة في جُبّ من الخرافات، تُنسج لإيهامه بأنه يعيش عصر الإنجازات.
لكن أي إنجازات تلك التي لا تنعكس في وجوه الناس ولا تدخل في بطونهم؟ وما جدوى الأبراج والكباري إذا كانت البطون خاوية، والقلوب مكسورة، والعقول مُعتقلة؟
الوطن لا يُبنى بالمباني الشاهقة، بل ببناء الإنسان. وإذا هُدم الإنسان، سقطت كلّ الأوهام.
الحقيقة أوضح من أن تُخفى؛ وجوه الناس في الشوارع تحكي ما لا تقوله نشرات الأخبار. الجوع، الإحباط، التهجير القسري من الحلم والأرض... هذا هو الواقع. فالمصريون اليوم يعيشون أسوأ حال على مرّ تاريخهم.
نحن أمام تكريس مُمنهج للفقر، وتواطؤ رسمي ضدّ المواطن، وإصرار
ارسال الخبر الى: