الفقر في العراق أزمة معقدة في دولة نفطية

٤١ مشاهدة
العراق في مقدمة البلدان المنتجة والمصدرة للنفط في العالم لديه إمكانات مالية هائلة لكنه يعاني الفقر وما يترتب عليه من مشكلات اجتماعية خطيرة لم يعد مستوى الدخل الفردي رغم أهميته كافيا للتعرف على هذه الأزمة بل أصبح من الضروري تحليل مدى حرمان الأفراد من المتطلبات الأساسية للحياة اليومية عندئذ يمكن التوصل إلى معدل الفقر المتعدد الأبعاد ووضع السياسات اللازمة لمعالجته وتعتبر نسبة الفقراء إلى عدد السكان مؤشرا مهما لقياس الحالة الاجتماعية في بلد ما فكلما زادت هذه النسبة تعقدت الأزمة وصعبت معالجتها انتقلت هذه النسبة في العراق من 22 في عام 2000 إلى 23 4 في 2023 ومن المعلوم أن عدد السكان ارتفع خلال هذه الفترة من 24 مليون نسمة إلى 43 مليون نسمة وبعملية حسابية بسيطة نستنتج أن عدد الفقراء ازداد من خمسة ملايين شخص إلى عشرة ملايين شخص يدل هذا الوضع على الانتقال من حالة سيئة إلى حالة أسوأ في حين كان من المفروض أن تتراجع النسبة ويهبط عدد الفقراء نظرا إلى تغير المعطيات الاقتصادية يمثل عام 2000 مرور عشر سنوات على المقاطعة الدولية الشاملة والفاعلة المفروضة على العراق من قبل مجلس الأمن بسبب احتلال الكويت أنهكت تلك المقاطعة المواطنين وأثرت بشدة على جميع الأنشطة الاقتصادية ارتفعت معدلات البطالة بعد أن كان العراق من الدول المستوردة للعمالة فزاد الفقر كما كانت إيرادات النفط في تلك السنة 18150 مليون دولار وكان العراق أكبر بلد عربي من حيث مديونيته الخارجية الناجمة عن الحرب ضد إيران وتعويضات احتلال الكويت في الوقت الحاضر لم تعد المقاطعة الدولية مطبقة كما بلغت إيرادات النفط في الميزانية العامة حوالي 90 مليار دولار أي خمسة أضعاف إيرادات عام 2000 وهبطت المديونية الخارجية بفعل الإعفاءات والسداد السبب الأساس في تزايد الفقر في العراق هو تصاعد معدل البطالة أما الأسباب التي أدت إلى هذا التصاعد فهي مختلفة اختلافا كبيرا في السابق كانت البطالة ناجمة عن تباطؤ الأنشطة الاقتصادية في حين يعود السبب الأساس للبطالة الحالية إلى الفساد المالي والإداري المستشري لكن هذا الاستنتاج لا يعني أن الفساد لم يكن موجودا في السابق ولا يعني أن الأنشطة الاقتصادية مزدهرة حاليا ومن الناحية الإدارية نلحظ أن أعلى نسبة للفقر في العراق مسجلة في محافظة المثنى حيث يمثل الفقراء 52 من سكانها تليها الديوانية 48 ثم ميسان 45 في حين تنخفض النسبة إلى 7 في أربيل و5 في السليمانية علما بأن دراسة لمنظمة الأسكوا التابعة للأمم المتحدة لعام 2018 تجد معدلات أعلى للفقر في هاتين المحافظتين الشماليتين وهنالك أيضا اختلاف آخر في نسبة الفقراء بحسب المناطق في كل محافظة ففي بغداد بلغت النسبة 2 في الأعظمية و22 في التاجي و50 في المشاهدة لكن أزمة الفقر لا تقتصر على علاقة الفقراء بعدد السكان بل تشمل أيضا مدى حرمان الأشخاص من متطلبات الحياة اليومية شدة الحرمان بحسب التصنيفات الدولية تتضمن شدة الحرمان ثلاثة ميادين أبعاد ترتبط بالأسرة البعد الأول التعليم وينقسم إلى قسمين تعليم الأطفال وتعليم الكبار والبعد الثاني الصحة ويتكون من قسمين أيضا هما التغذية ووفيات الأطفال أما البعد الثالث فيتعلق بالحالة المعيشية تحتوي هذه الحالة على ستة أقسام الكهرباء والماء الصالح للشرب وحالة السكن ونوع الطاقة المستخدمة في الطبخ والمرافق الصحية وملكية الأصول كالسيارات والهواتف وفي ما يلي توصيف سريع لبعض هذه الأقسام في العراق 1 تعليم الأطفال بحسب اليونيسيف 3 2 ملايين طفل عراقي في سن الدراسة خارج المدارس في بعض المحافظات كديالى وصلاح الدين غالبية الأطفال غير متمدرسة ويعود السبب إلى الضائقة المالية لأسرهم التي لا تستطيع صرف الأموال لتعليمهم وكذلك إلى نقص البنية التحتية كالأبنية المدرسية أصبح الأطفال يعملون ولا يدرسون في حين أن القوانين تمنع ذلك 2 التغذية العراق من بين الدول التي تبذر الطعام بسبب العادات والتقاليد لكنه يعاني أيضا نقصا في التغذية الجوع معروف رغم تراجعه في الآونة الأخيرة فحسب مؤشر الجوع العالمي بلغت نسبة الجياع في العراق 14 9 من عدد السكان في 2024 ومن هذه الزاوية يتعادل العراق مع غانا وموريتانيا ويتجاوز مصر والمغرب 3 الكهرباء العراق من كبار البلدان النفطية من حيث الاحتياطي والإنتاج والتصدير هو خامس بلد مصدر للخام في العالم ولكن يعاني المواطنون نقصا شديدا في الخدمات الكهربائية علما بأن أسعار الطاقة الكهربائية منخفضة مقارنة ببقية الدول سعر الكيلوواط ساعة في العراق 0 01 دولار مقابل متوسط عالمي قدره 0 15 دولار لكن هذا السعر يتعلق بالخدمات الكهربائية الحكومية التي تشهد انقطاعا يوميا ولفترات طويلة لذلك يضطر العراقيون إلى شراء الطاقة الكهربائية من القطاع الخاص بأسعار باهظة ليست في متناول الجميع خاصة أصحاب الدخول المنخفضة مؤشر الفقر لا يقتصر الفقر على مستوى الدخل المنخفض بل يمتد إلى عدم الحصول على الخدمات الأساسية كما هو واضح من الفقرة السابقة ويطلق على عملية الربط بين نسبة الفقراء وشدة الحرمان تسمية مؤشر الفقر متعدد الأبعاد وهو ضروري لوضع السياسات اللازمة للمعالجة وبحسب تقارير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لكل بعد من الأبعاد الثلاثة المذكورة أعلاه 33 3 أي إن لكل قسم في البعدين الأول والثاني 16 6 ولكل قسم في البعد الثالث 5 5 فإذا كان الطفل غير منخرط في مدرسة تضاف إلى الأسرة نسبة حرمان قدرها 16 6 وإذا كان طبخ الطعام عن طريق الخشب مثلا تضاف إلى الأسرة نسبة حرمان قدرها 5 5 وهكذا نصل إلى المعدل العام لشدة الحرمان والملاحظ أن مؤشر الفقر المتعدد الأبعاد هو حاصل ضرب نسبة الفقر إلى عدد السكان بالمعدل العام لشدة الحرمان وبحسب البرنامج المذكور فإن نسبة الفقر في العراق 8 6 من عدد السكان ومعدل شدة الحرمان 37 9 وبذلك يصبح مؤشر الفقر المتعدد الأبعاد 0 033 0 086 0 379 وهكذا بنيت الاستنتاجات وتم تصنيف العراق ضمن مجموعة من البلدان تضم بوليفيا والمغرب لكن هذا الحساب يستند إلى معطيات قديمة تتعلق بنسبة الفقراء إلى عدد السكان في الوقت الحاضر وبحسب الإحصاءات الحكومية تبلغ هذه النسبة 23 4 كما رأينا وعلى هذا الأساس يصبح المؤشر 0 089 0 234 0 379 عندئذ يقع العراق بين الدول التي تعاني بشدة الفقر يتعين إذن وضع الخطط التي تتناسب مع هذا المعدل الخطة الحكومية تعتمد الحكومة في التصدي للفقر على ثلاث أدوات الصندوق الاجتماعي للتنمية والرعاية الاجتماعية والحصة التموينية فالصندوق الاجتماعي للتنمية يهدف إلى تحسين الحالة المعيشية لحوالي 1 5 مليون أسرة فقيرة عن طريق تقديم الخدمات الضرورية والمستعجلة وخلق فرص عمل جديدة وفي 2023 أعلنت وزارة التخطيط المكلفة بتنفيذ مشاريع الصندوق وضع خطة تتضمن 144 مشروعا في مختلف المحافظات ولا سيما الأنبار وميسان وفي 2024 أشارت الوزارة إلى مشاريع في 500 قرية الأكثر فقرا مثل ترميم الطرق ومد خطوط كهربائية ويتم تمويل الصندوق عن طريق قروض يقدمها البنك العالمي ومن الناحية المبدئية لا ضير في الاقتراض من أجل التنمية الاقتصادية والاجتماعية ولكن من الممكن الاستغناء عن مثل هذه القروض الخارجية بإصلاح السياسة المالية المتعلقة بالإنفاق العام وأما ما يخص الرعاية الاجتماعية فينص قانون الرعاية الاجتماعية رقم 11 لسنة 2014 على حق كل شخص مقيم في العراق ويعيش تحت خط الفقر في الحصول على إعانة نقدية شهرية وحدد القانون مبلغ الإعانة للأسرة بواقع 105 آلاف دينار لفرد واحد 210 آلاف دينار لفردين 315 ألف دينار لثلاثة أفراد و420 ألف دينار لأسرة مكونة من أربعة أفراد فأكثر لا شك أن الرعاية الاجتماعية ضرورية لكنها تعاني ثلاث مشكلات الأولى ضآلة مبلغها الذي لا يتناسب مع معدلات التضخم والثانية أن عددا كبيرا من الفقراء لا يحصلون عليها والثالثة أن أشخاصا قدر عددهم بنحو 100 ألف في السنة يحصلون عليها من دون وجه حق عن طريق الرشوة وتقديم معلومات خاطئة وأما الحصة التموينية فقد ظهرت هذه الحصة في العام 1990 بعد شهر واحد من قرار مجلس الأمن القاضي بفرض حصار شامل لم يكن هدفها معالجة الفقر بل دعم القوة الشرائية للمواطنين وكانت مقررة لمواجهة ظروف وصفت حينئذ بالمؤقتة والحصة عبارة عن مواد غذائية في المقام الأول تباع بأسعار منخفضة عن طريق البطاقة التموينية كانت توزع على جميع الأسر العراقية بغض النظر عن حالتها المعيشية ومستوى دخولها وكانت تغطي قسطا مهما من الاستهلاك الشهري في الوقت الحاضر تختلف الحصة التموينية عن الرعاية الاجتماعية في أمرين الأمر الأول أن الحصة مواد تباع في الأسواق بأسعار مدعومة في حين أن الرعاية الاجتماعية مبالغ نقدية تدفع للمستحقين والأمر الثاني أن الحصة تشترط الجنسية العراقية والإقامة داخل الدولة أما الرعاية الاجتماعية فتقدم للعراقي والأجنبي شرط الإقامة في العراق كما أضيف إلى نظام الحصة شرط جديد وهو الدخل المنخفض ومن ثم أصبحت توزع على الفقراء وليس على جميع المواطنين تخصص الدولة في الميزانية العامة مبلغا لهذه الحصة في باب النفقات الحاكمة نظام التوزيع العام شهد هذا المبلغ ارتفاعا كبيرا في الآونة الأخيرة فقد انتقل من 794 مليار دينار في 2021 إلى 3662 مليار دينار في 2024 الدولار يساوي 1300 دينار يعاني هذا النظام مشكلتين الأولى حصول عدد من الأسر على الحصة من دون أن يكون لها الحق بسبب الفساد المالي والثانية أن رخص المواد الغذائية للحصة لا يتأتى فقط من الدعم الحكومي للأسعار بل كذلك من انخفاض جودة موادها ما العمل تتجه نسبة الفقر في العراق نحو الارتفاع وتزداد شدة الحرمان الأمر الذي يقود إلى ارتفاع مؤشر الفقر المتعدد الأبعاد نستنتج من ذلك عدم كفاية وضعف فاعلية الأدوات التي تستخدمها الاستراتيجية الحكومية للتخفيف من الأزمة ومعالجة الفقر يجب أن تتناول التصدي للفساد المالي والإداري وزيادة فرص العمل كما يستحسن الاستفادة من تجارب الدول الأخرى وبهذا الصدد لا بد من الإشارة إلى التجربتين الصينية والسورية فقد استطاعت الصين خلال فترة قصيرة لا تتجاوز العقدين القضاء شبه التام على الفقر استغلت النمو الاقتصادي في خلق فرص عمل جديدة امتصت الملايين من الفقراء أما في سورية فقد أدت الصراعات الداخلية العنيفة والفساد المالي إلى تدمير اقتصاد البلد من جميع جوانبه وهكذا انتقلت نسبة الفقر فيها من 30 من سكانها في عام 2000 وهي عالية إلى 82 في 2023 والعراق بلد ريعي لا يفضي النمو فيه بالضرورة إلى خلق فرص عمل وهو لا يختلف كثيرا عن سورية من حيث صراعاته العقيمة لذلك لا بد من التصدي للريعية عن طريق تحسين الصناعة التحويلية والزراعة في القطاعين العام والخاص ولا بد من وضع نهاية للصراعات الداخلية عندئذ يصبح القضاء على الفقر ممكنا ومن جهة أخرى لا مشكلة اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية في العراق من دون أن تكون لها صلة مباشرة بالفساد المالي فحسب منظمة الشفافية الدولية يحتل البلد المرتبة العالمية رقم 154 في الفساد المالي الصومال التي تقع في المرتبة العالمية 180 هي الدولة الأكثر فسادا في العالم لذلك لا يمكن للآليات المتبعة حاليا التخفيف من حدة الفقر من دون التصدي بحزم للفساد الخلاصة أن أزمة الفقر في العراق لا تكمن في عدم كفاية الإيرادات العامة بل في سياسة الإنفاق غير السليمة ويتعين أن تستند هذه السياسة إلى المصلحة العامة فقط وليس إلى التوافقات الطائفية والاعتبارات الحزبية والمصالح الشخصية

أرسل هذا الخبر لأصدقائك على

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2025 يمن فايب | تصميم سعد باصالح