شاهد الفضة من وهج القمر إلى شرارة الصناعة
يمن إيكو|قصة اقتصاد:
من بين كل المعادن التي زينت التاريخ، تظل الفضة الأقرب إلى الإنسان، ترافقه في الحلي والعملات ودوائر الحواسيب، نصفها جمال، ونصفها علم، وبينهما يمتد خيطٌ من الزمن يشدّها إلى الحياة كلما احتاج البشر إلى الملاذات الآمنة، كما هي الحال في عام 2025م حيث قفز هذا المعدن النفيس بنحو 70% إلى ما فوق سقف الـ50 دولاراً للأونصة الواحدة، ولأول مرة في تاريخ الفضة.
ومنذ أن لمح الإنسان بريقها الأول في جوف الصخور، كانت الفضة أكثر من معدنٍ ثمين؛ فكانت مرآةً للدهشة، وعصباً خفياً في اقتصاد الزمن القديم، والوسيط والحديث، ومعدناً يشبه الضوء حين ينسكب على صفحة الماء، ويخفي في لمعانه تاريخاً من الطقوس والتجارة والابتكار.
تاريخياً، حضر معدن الفضة في المعابد السومرية، وفي أسواق صور وصيدا وأثينا، كعملة مركزية للتبادل الأسمى قبل أن يُصكّ الذهب نفسه كندٍّ لها، ومع مرور القرون، غدت رمزاً للقيمة، ووحدة قياس للنقود، وسراً في ازدهار الحضارات التي امتلكت مناجمها.
ولئن نافسها الذهب في المكانة، فقد تميّزت الفضة عن الذهب بعلاقة مزدوجة بالإنسان واحتياجات حياته، فكانت معدناً نفيساً يحفظ الثروة، ومادة صناعية تدفع بالتقنية إلى الأمام، وفق ثنائية جعلت قيمتها تتقلب على تحولات الاقتصاد العالمي، بين فترات ازدهار وانكماش، كما لو كانت ميزاناً حساساً لنبض السوق، ومرجع ذلك لأن تاريخها هو تاريخ التفاعل بين الجمال والجدوى.
وفي القرن السادس عشر، ملأت الفضة القادمة من مناجم بوليفيا والمكسيك خزائن الإمبراطوريات الأوروبية، فغيّرت وجه التجارة العالمية، وربطت الشرق بالغرب في شبكة نقدية واحدة، غير أن بريقها لم يكن دائماً رمزاً للرخاء؛ إذ أدّى تدفقها المفرط في بعض العصور إلى أزمات تضخم، بينما تسببت ندرتها في أخرى بأزمات مالية طاحنة.
وبهذا التناقض العابر للتاريخ، كانت الفضة دائماً حَكَماً بين الاقتصاد والسياسة، ترسم خرائط النفوذ قبل أن تُسكّ على هيئة عملة.
ومع انبلاج العصر الصناعي، تغيّرت ملامحها، لتخرج الفضة من خزائن الملوك إلى مختبرات الكيميائيين ومصانع الإلكترونيات، في تحولٍ لم تعد فيه مجرد زينة أو نقود، بل أصبحت
ارسال الخبر الى: