الفرنكفونيون في أميركا اللاتينية السلالة الشعرية المنسية
لقد أنجبت أميركا اللاتينية شعراء كباراً بلسانٍ فرنسيّ. هذا ما قاله لويس أراغون عام 1936، مسجّلاً شهادته على إسهام شعراء أميركيين لاتينيين في تجديد الشعر الفرنسي، في حقبة ما بين الحربين العالميّتين، وهي الحقبة التي شهدت ازدهار أهم الحركات الأدبية الطليعية. غير أن العقود التي تلت الحرب الثانية، ألقت بظلال النسيان على هؤلاء الشعراء، فاختفت أسماؤهم من المدوّنة النقدية الفرنسية، وباتوا هوامش على متن الحداثة الفرنسية، بالرغم من أنّ منجزهم كان في قلبها.
لقد اختلفت دوافع هؤلاء الشعراء لاختيار الفرنسية لغة للكتابة، فكانت عند بعضهم فضاءً يتجاوز حدود الجغرافيا الضيقة وقوالب الأدب القومي، وخروجاً من لغة المستعمِر السابق وعليها عند آخرين، فيما وجد فريق ثالث في الازدواج اللغوي وسيلة لرؤية الذات من الخارج، وفكّ الارتباط القسري بالأصل والجذور، والسعي إلى حداثة لا تخضع للهيمنة الأوروبية ولا للانغلاق على الهوية.
شركاء فاعلون
لم يكن الشعراء الذين عبروا الأطلسي وأقاموا في باريس، فاحتضنتهم مجلاتها الطليعية ودور نشرها الرائدة، واحتفى بتجاربهم شعراؤها، مجرد ضيوف على الحداثة الشعرية الفرنسية، بل كانوا شركاء فاعلين في صنعها، عبر كتابة جديدة تقوم على التجريب والتجديد في الأشكال والرؤى، لكنّ النقد الفرنسي الرسمي آثر أن ينظر إليهم بوصفهم عابرين غرباء، فأقصاهم تدريجياً من الذاكرة الأدبية.
اختلفت دوافع هؤلاء الشعراء لاختيار الفرنسية لغة للكتابة
وتطرح هذه الطريقة في النظر إلى هؤلاء الشعراء إشكاليّات جوهرية: فلماذا يُدرَج، مثلاً، شاعرٌ سويسري مثل فيليب جاكوتيه أو بلجيكي كهنري ميشو في متن الشعر الفرنسي، فيما يُدفع بشعراء أميركا اللاتينية إلى هامش الفرنكوفونية؟ وما المعايير التي تحكم هذا التمييز؟ ولماذا يحظى الأدب الفرنكوفوني الأفريقي والكاريبي بالاهتمام الكبير وتظلّ التجارب اللاتينية شبه غائبة بالرغم من أصالتها ودورها في التحوّلات الشعرية الكبرى؟
تكمن الإجابة، كما يوضح الباحث السويسري إيمليان سيرمييه، في آليات إقصائيّة ينتهجها التأريخ الأدبي الفرنسي، المستند إلى نموذج قومي مهيمنٍ يربط الأدب بحدود اللغة والهوية والثقافة الواحدة، وفي نوع من الريبة الثقافية تجاه الكتّاب الوافدين، الذين يُنظر إلى كتاباتهم بوصفها دخيلة، أو نتاج ترفٍ
ارسال الخبر الى: