سقوط الفاشر قراءة تحليلية في ملامح الحرب الحديثة

105 مشاهدة
ما حدث في الفاشر لم يكن مجـرد سقوط ميداني تقليدي أو هزيمة في معركة بل نموذج صارخ لحرب من نوع جديد تدار بالمعلومة والإشارة لا بالبندقية والمدفع لقد دخلنا زمنا تتحول فيه الذرة الإلكترونية إلى ما يعادل الطلقة القاتلة وزمنا تكون فيه السيطرة على موجة الاتصال أخطر من السيطرة على موقع استراتيجي فالمشهد الذي شهدته الفاشر أعاد إلى الأذهان لحظات تاريخية فارقة مثل انسحاب نابليون من موسكو حين أعمى البرد والجوع جيوشه أو حرب الخليج الأولى عاصفة الصحراء عندما كان قطع الاتصالات السلاح الحاسم في شل القيادة العراقية في كلتا الحالتين لم تكن الهزيمة ميدانية خالصة بل كانت هزيمة تكنولوجية واتصالية وهذا بالضبط ما حدث في الفاشر انهيار داخلي سببه الشلل الاتصالي لا الهزيمة القتالية فجأة وجدت الوحدات العسكرية نفسها في عزلة تامة داخل المدينة بلا أوامر ولا توجيهات فيما كانت المليشيا المدعومة خارجيا تتقدم نحو العمق بخطوات محسوبة بدقة انهارت المواقع تباعا وسقط عدد من القادة بينهم المتحدث الرسمي للقوات المشتركة فظهرت الفوضى وكأنها خيانة داخلية بينما كانت في الحقيقة ضربة استخباراتية محكمة تباينت التفسيرات وردود الفعل كعادتها في لحظات الانكسار اتهامات بالخيانة حديث عن اختراقات داخلية وربط الحدث بمفاوضات وقف إطلاق النار في واشنطن غير أن الحقيقة كما كشف حاكم الإقليم نفسه كانت أعمق بكثير الدولة التي تمول تلك المليشيا استعانت بأجهزة استخبارات عالمية لقطع الاتصالات داخل المدينة فحدث الشلل الكامل وانهارت خطوط القيادة ليتحول المشهد إلى ما يسميه العسكريون العمى التكتيكي بهذا المعنى فإن سقوط الفاشر لم يكن نتيجة خيانة داخلية بقدر ما كان هزيمة استخباراتية تقنية فقدت فيها القيادة بصرها الميداني وأذنيها العملياتيتين وتحولت القوة المسلحة إلى جسد بلا أعصاب لكن الأخطر من ذلك أن ما جرى هناك ليس معزولا عن سياق أوسع إنه تحول نوعي في طبيعة الحروب في منطقتنا من حرب ميليشيات وسلاح إلى حرب اتصالات ومعلومات ومن معركة بنادق إلى صراع سيطرة على الموجة والتردد من ينتصر اليوم ليس من يملك العدد والعدة بل من يملك القدرة على إطفاء وعي الخصم وشل اتصاله وهنا تتجلى المفارقة التي لا بد أن نتوقف عندها في اليمن فما جرى في الفاشر هو بالضبط ما كان يراد لليمن أن يعيشه عندما أدخلت المليشيات المرتزقة والمدعومة خارجيا إلى ساحة الصراع اليمني كان الهدف الحقيقي وما يزال تفكيك منظومة القرار والسيطرة والاتصال داخل الدولة اليمنية وشل قدرتها على إدارة المعركة أو حماية وحدتها الوطنية لقد أرادوا زرع العمى التكتيكي ذاته وتحويل الجغرافيا اليمنية إلى مسرح مكشوف تديره الأقمار الصناعية وغرف العمليات الأجنبية غير أن اليمن رغم كـل ما مر به من حروب وحصار وتآمر امتلك ما لم تمتلكه الفاشر شبكة وعي شعبي ومؤسسي قاومت الاختراق وقيادة ميدانية استطاعت أن تعيد إنتاج أدواتها وتطور قدراتها الاتصالية والمعلوماتية حتى باتت تدير المعركة من موقع الفاعل لا المفعول به إن سقوط الفاشر إذا ليس مجـرد حدث محلي بل إنذار استراتيجي لما قد يحدث حين تفقد الدولة سيادتها المعلوماتية وهو أيـضا مرآة لما كان يخطط لليمن أن يتحول البلد إلى ساحة حرب تقنية تدار من الخارج وأن تعزل وحداته العسكرية كما عزلت قوات الفاشر لكن الفارق الجوهري أن اليمنيين فهموا اللعبة باكرا فبنوا منظوماتهم الدفاعية الخاصة وطوروا تقنياتهم الاتصالية وربطوا المعركة بمشروع وطني مستقل لا بأجندة تملى من الخارج في المحصلة سقوط الفاشر لم يكن خيانة فردية بل رسالة استخباراتية للعالم الثالث من لا يملك قراره الاتصالي لا يملك قراره السياسي ولا مصيره العسكري وحين تتحول المعلومة إلى سلاح تصبح السيادة التقنية هي السيادة الوطنية اشترك وانظم ليصلك آخر الأخبار عبر منصات العين برس على مواقع التواصل الإجتماعي واتس أب تيليجرام منصة إكس The post سقوط الفاشر قراءة تحليلية في ملامح الحرب الحديثة appeared first on Alainpress

ارسال الخبر الى:

ورد هذا الخبر في موقع العين برس لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2016- 2025 يمن فايب | تصميم سعد باصالح