الغربي عمران ورواية الرسائل
٣١ مشاهدة
كتب مسعود عمشوش
الرسالة، لُغةً، مشتقة من (رَسَلَ)، وتعني: نص شفهي أو كتابي، وفي الغالب نصٌّ كتابي، يُوّجّه من مُرسِل إلى مرسل إليه بعيد. وهي أولى الوسائل التي استخدمها الإنسان للاتصال بإنسان غائب، بالقلم لتباعدهما مكانيا. وقد ازدهرت كتابة الرسائل في الثقافة العربية منذ العصر الإسلامي، وذلك لحاجة الولاة المسلمين للتواصل مع الأمراء والملوك ودعوتهم للإسلام. ومع اتساع رقعة الدولة الإسلامية، ظهر ما يسمى بديوان الرسائل، وبروز عدد كبير من الكتّاب ذوي الفصاحة والبيان، وبواسطتهم تطورت كتابة الرسائل، وتحولت إلى فنٍّ وصناعة، كما تنوعت الرسائل، وقسمت إلى نوعين: الرسائل الرسمية، والرسائل غير الرسمية أو الإخوانية. وفي نهاية العصر الأموي أصبحت كتابة الرسائل وسيلة للوصول إلى أرفع المناصب.
إضافة إلى ذلك، أدى الاهتمام بالرسائل والارتقاء بأسلوب كتابتها إلى تطور النثر العربي الذي بات ينافس الشعر في كثير من المجالات. وقد بيّن د. شوقي ضيف في سياق تقديمه للرسائل الإخوانية في كتابه (تاريخ الأدب العربي، العصر العباسي الأول)، أسباب نجاح النثر في منافسة الشعر في تلك الفترة، قائلا: أصبح النثر له القدح المعلَّى الشعر، لا لأن أصحابه كانوا يرقون إلى الوظائف العليا في الدولة ودواوينها فحسب، ولا لأنه كان يُختار منهم الوزراء فحسب، بل لأنه أصبح يضارع الشعر في التأثير في وجدان القارئ، بما وقّر له كتابه العظام من جزالة الألفاظ ورصانتها ومن حسن تلاؤمها في الجرس.. وكان أكثر من الشعر طواعية لحمل الأفكار بحكم يُسر تعابيره وما يجري فيها من مرونة، مما جعل الشعراء يتخذونه في بعض الأحوال لتصوير خواطرهم ومشاعرهم وأفكارهم. وتحمل كتب الأدب كثيرا من الرسائل الإخوانية لكتاب بارعين.
ومنذ بداية العصر العباسي شرع كثير من الأدباء في توظيف قالب الرسالة للوصول إلى أكبر عدد من القراء، منهم الجاحظ الذي كرس (رسالة التربيع والتدوير) لهجاء أحمد بن عبد الوهاب. وقام العلماء والفلاسفة، مثل (أخوان الصفاء)، باستخدامه لنشر علومهم وآرائهم. كما استخدمه رجال الدين، مثل عبد الكريم بن هوازن القُشَيْري، لتعميم مواعظهم ووصاياهم. (انظر دراستنا: فن الرسائل في حضرموت في
أرسل هذا الخبر لأصدقائك على