عندما نتحدث عن العلم تتبادر إلى أذهاننا تساؤلات من نوع ما هو العلم الذي نقصده هل هو العلم الشرعي أم العلم الطبيعي هذه الثنائية والفصم بين أنواع العلوم قد وصمت تفكيرنا العربي بل وانحازت ظلما وعدوانا نحو العلم الشرعي باعتباره هو العلم فقط وأن العلوم الأخرى طبيعية أو غير طبيعية كانت مجرد مشغلة كما يقول الإمام الشافعي كل العلوم سوى القرآن مشغلة إلا الحديث وعلم الفقه في الدين العلم ما قد كان فيه حدثنا وما سوى ذاك وسواس الشياطين إن تعريف العلم هو إدراك الشيء بحقيقته فمن هذا التعريف ينسحب لفظ العلم على كل إدراك لكنه الأشياء وحقائقها فما يمارسه عالم الكيمياء أو الفيزياء أو العلوم الطبيعية الأخرى يدخل ضمن مسمى العلم أو كما يقول أنور الجندي فالعلم الذي دعا الإسلام إلى تحصيله هو العلم على إطلاقه حول العلم جاء كتاب الدكتور أحمد شوقي المسمى العلم ثقافة المستقبل في وقت اتهم المسلمون بالتخلف وفي هذا الكتاب يحاول المؤلف أن يقرب العلم إلى القراء غير المتخصصين أو العوام ويطلعهم على أهم هموم العلم والمشتغلين بالأمور العلمية وذلك لأن العلم باعتباره من أهم أدوات التغيير المجتمعي لا يمكن أن يقوم بدوره بكفاءة إلا إذا تحول إلى مكون عضوي من مكونات ثقافة المجتمع وليس المقصود من هذا التقريب أن يدرج الكتاب وموضوعاته ضمن الثقافة العلمية بمفهومها الكمي التي تعني وجود جرعات من المعارف العلمية الأساسية والحديثة للراغبين في الإلمام بها إنما ضمن تقديم العلم كثقافة science as culture ذلك المفهوم الكيفي الذي يستلزم اندماج وتفاعل التفكير العلمي ومناهجه في المكونات الأخرى لثقافة المجتمع ويفترض أن تراكم الثقافة العلمية واستيعابها يستهل التحول الكيفي للعلم كثقافة مع توافر المناخ المجتمعي الملائم لذا لم يركز المؤلف على تقديم موضوعات علمية صرفة بل الدوران حول تطلعات العلم واهتماماته ومن ذلك تعريف القارئ مثلا بما يسمى العلم الكبير وهي المشاريع العلمية التي تتعدى تكلفة إنجازها المليار دولار مثل محطة الفضاء الدولية التي كلفت اثني عشر مليار دولار أو المسرع الفائق للتوصيل الذي كلف سبعة مليارات دولار وأخيرا مشروع الجينوم البشري الذي كلف ثلاثة مليارات دولار وكذلك مفاهيم مثل تبسيط العلوم أو الثقافة التكنولوجية والأمن العلمي وغيرها ويعرج المؤلف على عالم الإيكو حيث يعني مقطع الإيكو مكان السكنى أو البيئة المحيطة ولما ارتبط بالتنظيم والإدارة صار علم الاقتصاد أما علم الإيكو فهو علم البيئة التي نعيش عليها ولا ينسى الكاتب أن يفرد فصلا عن الدين والعلم ويقدم الإشكالية عن علاقة الدين بالعلم تلك الإشكالية التي نظل ندور حولها نحن المسلمين معتبرا أنها قضية تستحق الحسم وأن الإسلام دين المستقبل ولو على المستوى الديمغرافي فالمسلمون كانوا يمثلون 18 من سكان العالم عام 1980م وسيمثلون 31 عام 2025م و43 عام 2125م لذا يجدد المؤلف دعوته لأبناء هذا المشروع الحضاري بالمشاركة الجادة في صنع مستقبل العالم والالتحام بكل البشر دون خوف من العزلة أو الذوبان ويقول في الختام لقد سبق أن قدمت لكم هويتي بأنني من عامة المسلمين ورغم أنني عند كلمتي تماما إلا أنني أود لو اعتبرتموني مسلما مستقبليا وذلك أن الإيمان بأن المستقبل للإسلام لن يتأتى إلا إذا تعلم المسلمون كيف يكونون مستقبليين