قصة أنياب العدوان والنفاق حين اهتم العالم بالكلب وترك الإنسان في الخيمة
عبدالكريم مطهر مفضل/وكالة الصحافة اليمنية

لم يكن صباح غزة يشبه أي صباح، كانت السماء رمادية. رائحة البارود، وغبار المنازل المهدّمة يملأ الهواء كأنه دخان جوعٍ لا ينقضي، وصرخات الأطفال التي تمتزج بصوت البحر البعيد.. مشهد لا يصلح للعيش، لكنه الحياة الوحيدة التي تبقّت هناك منذ عامين من عدوان نازي لم تعرف البشرية له مثيل.
بين ركام المدينة المدمرة وصدى قرقرة البطون الخاوية، بفعل جريمة الإبادة الجماعية التي مارسها الاحتلال الإسرائيلي في غزة، كان الشاب حامد عاشور يجرّ خطواته المتعبة نحو ما تبقّى من أطلال بيته في مدينة غزة، حين سمع أنينًا خافتًا، يشبه بكاء طفلٍ ضلّ الطريق. اقترب ببطء، ليجد كلبًا من نوع “جيرمان شيبرد”، مغطى بالغبار والدماء، يرتجف من الخوف والجوع والجراح، كأنه واحدٌ من ضحايا العدوان المنسيين.
لم يكن يعرف حامد لمن يعود الكلب الجريح، لكن ملامحه كانت تشبه وجوه الناس من حوله: متعبة، وحيدة، تبحث عن معنى للبقاء، بدا كمن فقد كل شيء، مثله مثل صاحبه الجديد تماماً.
جلس إلى جواره، مسح على رأسه، وأعطاه ما تبقّى في جيبه من كسرة خبزٍ يابسة، كان المشهد بسيطًا، لكنه حمل ما يكفي من الإنسانية ليفضح قسوة العالم بأسره.
اصطحبه حامد إلى خيمته الصغيرة على شاطئ غزة، خيمةٌ مهترئة أقامها بعد أن سُوّي منزله بالأرض.
هناك بدأ يعتني بالكلب بما تيسّر من بقايا طعام لا تكفي حتى لنفسه. كان يقاسمه اللقمة والماء، ويحرس معه الليل الطويل من نباح القصف وذكريات النزوح، كانا يتشاركان كل شيء: الجوع، والخوف، وليل المدينة الطويل الذي لا يُسمع فيه سوى دويّ الطائرات.
منذ تلك اللحظة، صار الكلب رفيق حامد في خيمته البسيطة التي لا تقي من البرد، وجد الاثنان في بعضهما بقايا دفء، كأنهما يحاولان معًا إقناع أنفسهما بأن الحياة ما زالت ممكنة، تكوّنت صداقة نادرة بين جريحين: إنسان يبحث عن دفء العالم، وكلب يبحث عن بشرٍ لا يخاف منه.
حين أصبح الحيوان أهمّ من الإنسان
انتشرت قصة حامد والكلب على مواقع التواصل الاجتماعي، وتحوّلت
ارسال الخبر الى: