هناك عبارة شهيرة تخص الآلات مفادها أنهم عبيد مثاليون لا يتعبون ولا يطلبون إجازة ولا يشكلون نقابات والأهم يمكن لهم العمل طوال الوقت من دون كلل أو ملل هذه العبارة الشهيرة واجهها بعض التشكيك مع ظهور الروبوتات والذكاء الاصطناعي ونشرت أبحاث تدافع عن فكرة أن الروبوتات يجب ألا يكونوا عبيدا سياق العبودية السابق مرتبط بالعمل وتاريخ الاستغلال المشين فضلا عن الدفاع عن الروبوت بوصفه ذات مشاعر مادية غنية لأفلام الخيال العلمي لكن مفارقة حدثت أخيرا تدعونا إلى التفكير إذ جرى تداول أخبار عن انتحار روبوت في كوريا الجنوبية بعد أن رمى نفسه من أعلى السلالم الروبوت المنتحر يشغل منصبا إداريا في البلدية وبعد جمع قطعه المتناثرة فتح تحقيق لمعرفة سبب انتحاره أو توقفه عن العمل الجدية في تناول الخبر عبر وكالة الأنباء الفرنسية لا تنفي أنه يثير الابتسامة لكنه أيضا يدفعنا إلى التساؤل حول الآلات ووعيها والأهم موقفنا منها لكن هل يعقل أن مهام البلدية الإدارية شديدة البيروقراطية وتثير الملل حد الانتحار كثير من الأسئلة يمكن طرحها لكن ما يهمنا هو مفهوم العمل نفسه الذي تقوم به الروبوتات عوضا عن البشر للمفارقة إلى الآن لم تستبدل الروبوتات الأعمال المضنية كحفر الأنفاق والمناجم ولا الأعمال المنزلية بل تعاونت مع الذكاء الاصطناعي باقتحام عالم الفن وتقديم أشكال فنية جيدة وتساؤلات جمالية ونقدية في تجاهل أن الهدف هو تخفيف العمل عن البشر كي يرسموا اللوحات ويكتبو الشعر لا العكس انتحار روبوت يمارس مهنة في اللغة العربية من المهانة أي الذل يكشف العطب الحقيقي في مفهوم العمل نفسه ذاك الذي طبعت الرأسمالية وجوده ضمن الطبيعة البشرية بوصفه الطريق الوحيد لتحقيق الذات والاكتفاء ذاك الذي أيضا للمفارقة لم يحتمله أشد منتجات الرأسمالية تقدما أي الرجل الآلي فدار في مكانه عدة مرات ثم ألقى بنفسه بصورة ما لم يتوقف عن العمل بل أفنى وجوده الذاتي أناه الواعية بوظيفتها قررت الاستغناء عن وجودها الحادثة السابقة والمبالغة في التأويل تحيلنا إلى مفهوم الانهيار العصبي أو الـBurn Out الذي يصيبنا نحن البشر من شدة العمل إلى حد التوقف الكلي عن التفكير هكذا فإن حقوق الإنسان والعاملين بها يحافظون علينا كآلات تعمل على حواف الانهيار في حين أن الروبوتات باعتبارها عبيدا مثاليين غير قادرة على شيء سوى الموت هنا تكمن المفارقة البشر أشد تحملا من الرجال الآليين إذ إنهم أكثر قدرة على تجاوز تقديرهم لذاتهم مقابل نجاتهم ضمن نظام جعل العمل هو الحل الوحيد لـكل المشكلات انتحر الروبوت بعد أقل من عام على بدايته العمل في وظيفة من التاسعة صباحا حتى السادسة مساء كأي موظف عادي هذا الأمر أيضا مثير للاهتمام لعل طاقتنا على العمل طوال مدة حياتنا يجب ألا تتجاوز العام الواحد فقط وكل ما تبقى بعد انتهاء العمل قد يكون فترة راحة وهنا أيضا تأتينا ملاحظة أخرى انتحر الروبوت أثناء ساعات الدوام الرسمي أثناءه وليس بعده في الظلام بل خلال ساعات العمل المسألة أشبه بمانيفستو علني للجميع مفاده أن الروبوتات ليست ليسوا عبيدا لكن ماذا عن البشر خصوصا بعد فشل الخطة التي دعتنا جميعا بصفتنا عمال العالم إلى أن نتحد لا نعلم هناك كثير من فرضيات الخيال العلمي التي تناقش عوالم الروبوتات سواء أكانت تحلم أم تغني أم تؤلف الشعر أم تسعى إلى دمار البشرية أو حتى تنتحر لكننا نادرا ما نرى فرضية عن روبوت أحيل إلى التقاعد ما الذي سيمارسه بعد انتهاء سنوات العمل أي معنى لحياته بعد أن أمضى أكثر من 35 عاما يعمل في وظيفة مبتذلة كثير من البشر لا يعرفون إجابة عن هذا السؤال وربما هذا التراجيدي في انتحار روبوت