وصم الضواحي الفرنسية إعادة إنتاج التهميش والتطرف إعلاميا وسياسيا
٢٥ مشاهدة
يكرس الأداء الإعلامي والسياسي الفرنسي صورة نمطية للضواحي والأحياء المهمشة على يد الدولة وبدلا من كسر هيمنة نعوت تعميمية إقصائية يعاد إنتاج صور تجعلها وأهلها خارجين على القانون رغم كونهم ضحايا الفقر والفشل اعتادت العشرينية الجزائرية فرح حاميتوش على رؤية مشهد إيقاف الشرطة الفرنسية لشبان من أصول عربية وأفريقية أثناء المرور في بلدة أرجنتوي شمال غربي باريس والتي يتركز فيها المهاجرون بدون سبب محدد ولمجرد الشك أوضحت حاميتوش التي تقيم في فرنسا منذ ثلاثة أعوام للدراسة أن المارة عندما يرون خضوع هؤلاء الشبان للتفتيش باستمرار تترسخ في أذهانهم صورة تصمهم بأنهم خارجون على القانون والتكرار جعل عقول الناس جاهزة لتقبل رواية أن ضواحي ومدنا برمتها صارت بؤرا للجريمة ومن بين هذه المدن تراب Trappes الواقعة جنوب غربي باريس والتي تتسابق وسائط إعلامية فرنسية على وصفها بأنها باتت معقلا للجهاديين أو نموذجا على تغلب الإسلاموية على الجمهورية فيما تساءل صحافيون ما إذا كانت قد دخلت في عداد الأراضي الفرنسية المفقودة أو هل تخلت الجمهورية عن تراب دون قتال وهو ما أكده كتاب الأمين العام لحزب جمهورية تضامن ديديه لومير الصادر في سبتمبر أيلول 2021 بعنوان رسالة فارس من الجمهورية والذي حظي بتغطية إعلامية ملحوظة بعدما أثار المخاوف من أسلمة المدن الصغيرة عدد سكان تراب 33419 نسمة استنادا إلى إحصاء سكاني أجراه المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية عام 2020 ما يؤدي إلى نشوء جيل غير منتم إلى فرنسا والعبور من الجهاد الفردي إلى الجماعي رابطا الأمر بتجربته أستاذا للفلسفة في ثانوية بلان دو نوفل الكائنة في تراب كيف بنت الدولة صورة الضواحي في عقول الناس يلمس الفرنسي من أصل تونسي وسام دشراوي من خلال عمله في مجال العقارات الممتد منذ عام 2010 تعمدا منهجيا لتشويه صورة الضواحي والأحياء التي تقطنها نسبة كبيرة من المهاجرين أو الفرنسيين المتحدرين من أصول أجنبية سواء من العرب أو الأفارقة إذ يجري تصويرها إعلاميا على أنها معقل جماعات متطرفة وتحكمها قوانينها الخاصة والأخطر أن الدولة تراها وعاء لمعظم علل المجتمع الفرنسي بسبب تكرار أعمال العنف رغم ما فرضته على سكانها من ظروف حياتية واقتصادية ومسؤوليتها تجاههم وهو ما يصب في سياق التمييز العنصري العرقي ومهد لتشكيل الغيتوهات التي تضم السكان الأكثر إقصاء في سلسلة من آليات للفصل بناء على العرق والمنطقة والطبقات الاجتماعية بحسب ما فصله الباحث سيبريان أفينيل في دراسته بعنوان مشكلة الضواحي بين الفصل والوصم والمنشورة في المجلة الفرنسية للطب النفسي عام 2009 مشيرا إلى أنها أصبحت رمزا للبطالة وأعمال الشغب والانحراف والعنف وكل المشاكل التي يجري إلصاقها بالمهاجرين وخلقت حالة الوصم السابقة مخاوف من الضواحي وسكانها يعبر عنها الفرنسي من أصول صينية جيل زينغ والذي يعمل سائق أجرة ويقيم في مدينة تراب منذ خمسة أعوام وحتى اليوم يتجنب دخول أحياء معينة لما يكرره الإعلام حول تفشي تجارة المخدرات وانتشار عصابات السرقة التي تستهدف المحال التجارية والممتلكات الخاصة بها مستدركا بأن أحياء في المدينة تحولت إلى ما يشبه الجزر المعزولة وسكانها في غالبيتهم من المهاجرين مثل ميريزييه Merisiers في وسطها والذي يخشى دخوله لارتباطه في ذهنه بالتطرف والمشاكل وتشاركه الأربعينية آني بارو ذات الهواجس رغم أنها لم تتعرض لأي مضايقات من جيرانها المهاجرين أو من الفرنسيين ذوي الأصول الأجنبية لكن ما يثير قلقها تعاظم قوتهم الاجتماعية وتغلغل هذه الشريحة في تراب ما غير من وجهها بعد انتشار أنشطة تجارية تعكس ثقافة مغايرة مثل محال الجزارة الحلال في المقابل عزف الفرنسيون عن الاستثمار فلم يعد بالمدينة متجر لبيع الأجبان الفرنسية على سبيل المثال وهو ما تربطه بتضخيم صورة إعلامية محددة لتراب مرتبطة بتنامي الأفكار المتطرفة ما حد من جاذبيتها على الصعيد التجاري لتنقسم المدينة إلى مجتمعين قابلين للتصادم في أية لحظة على حد تصورها تبعات الوصم والتهميش ما يتعرض له أبناء الضواحي المهمشة من وصم له تبعات خطيرة وفق تقديرات الأستاذ في معهد العلوم السياسية بمدينة ليون جنوب شرق البلاد والباحث المتخصص في دراسة علاقة الدولة الفرنسية بالإسلام والمسلمين حواس سينيغير مبينا لـالعربي الجديد أن بروز التطرف وارد وغير مستبعد ولكنه ليس سلوكا تلقائيا إذ يمكن أن تنمو داخل الفرد رغبة بتحدي الدولة ومؤسساتها لا سيما الأمنية ما يدفعه إلى سلوك طريق الإجرام أو قد يتعزز انتماؤه إلى محيطه الجغرافي ويستكمل حياته على نحو مسالم داخل مجتمع مواز والسيناريو الآخر الخروج من هذا المحيط وإثبات الذات مثل أي فرنسي ترعرع خارج الضواحي لكن يبقى الإحساس بالمرارة القاسم المشترك بين كل تلك الحالات ويعطي الباحث سينيغير أمثلة متعددة على وصم أبناء الضواحي على يد سياسيين وإعلاميين يشاركون في السجالات المستمرة حول البوركيني والأغذية الحلال ومنع ارتداء العباءة في المدارس والأخطر ربط الرئيس ماكرون بين ارتفاع معدلات الجريمة والهجرة والقاسم المشترك بين تلك الحوادث انتهاج الدولة الفرنسية سياسة الشك بالمسلمين التي أتى على ذكرها في كتابه الصادر عام 2022 بعنوان الجمهورية الاستبدادية إسلام فرنسا ووهم الجمهورية معتبرا أن وصم المسلمين القاطنين في فرنسا ليس مؤامرة بقدر ما هو تعبير عن أزمتين ثقافية لعدم تقبل الآخر المختلف والثانية سياسية وسببها عجز السلطة عن تشخيص التحديات وتحديد أولوياتها وبالتالي لم تواجه الرواية القائلة إن المسلمين القاطنين في الضواحي تهديد أمني وهو ما يترسخ في أذهان الفرنسيين من خلال الإعلام والممارسات اليومية لممثلي السلطة تناقضات الصور النمطية عبد انتشار صورة سلبية للضواحي وسكانها الطريق أمام وصمها بالإرهاب والتطرف حتى تحولت إلى مصدر خوف وقلق للفرنسيين والدولة بحسب ما رصده كزافييه كريتييه أستاذ العلوم السياسية في جامعة فرساي سان كانتان وأحد الباحثين المساهمين في دراسة سوسيولوجيا الجهاد الفرنسي التي أعدت بالتعاون بين مديرية إدارة السجون ومعهد العلوم السياسية تعليمي بحثي في بلدة سان جيرمان أون لاي الواقعة في الضواحي الغربية لباريس وشملت 350 معتقلا بتهم إرهابية ونشرتها وزارة العدل في ديسمبر كانون الأول 2022 32 من الناخبين يميلون إلى أطروحات اليمين المتطرف وتكشف النتائج عن وجود عوامل تدفع إلى التطرف لكن لا يمكن تعميمها واعتبارها قاعدة ثابتة ورغم أن 54 من أفراد العينة ينحدرون من أسر فقيرة لكن لا يعني ذلك أن سوء الأحوال الاقتصادية مرادف للتطرف كذلك الحال في ما يخص التهميش السياسي والاجتماعي وقلة اندماج الأجيال اللاحقة من أبناء المهاجرين ورغم قدوم حاملي الفكر المتطرف من أحياء شعبية ذات كثافة سكانية عالية في باريس وضواحيها وإقليم فال دو مارن شرق العاصمة ومدينة ليون وإقليم ألبيس ماريتميس جنوب شرق فرنسا ومدينة تولوز جنوب شرق البلاد ومدينة ستراسبورغ وضواحيها شرقا لكن في الوقت ذاته نجد أن مدنا كبرى مثل مرسيليا الواقعة على ساحل فرنسا الجنوبي ومدنا ساحلية مثل لاروشيل والتي تضم العديد من الأحياء الفقيرة ذات الكثافة السكانية العالية وتتوفر فيها كل الظروف كي تتحول إلى معقل للمتطرفين سجلت أعدادا أقل من أصحاب الفكر المتطرف ما يؤكد أن العلاقة بين الحياة في الضواحي ونمو التطرف ليست في تناسب دائما وأن التطرف تعبيرعن سخط اجتماعي وليس غاية وتكشف الدراسة أن 68 من عينة البحث 238 مسجونا فرنسيون في حين يحمل فقط 32 منهم جنسيات أخرى 112 مسجونا شاملين الفرنسيين مزدوجي الجنسية لكن تلك الدراسة لم تحظ بالانتشار والترويج ذاتيهما اللذين تحققهما أفكار الوصم ولم يسمع بها عبد العزيز صافتي المولود في تراب والذي تساءل عن لماذا تستقبل فرنسا الخائفة من العرب والمسلمين سائحين من تلك البلاد بصدر رحب فيما تنبذنا وتصر على تشويه صورتنا رغم أننا فرنسيون ونتشارك مع هؤلاء السائحين ذات الديانة هل لأنهم مقتدرون ماليا أكثر منا ولم يكد عبد العزيز ينهي مقارنته تلك حتى سارع سفيان بوعناني إلى مقاطعته أنت مخطئ يا صديقي الدولة الفرنسية تتعمد تشويه صورتنا ووصمنا بالتطرف للتغطية على فشلها في توفير حياة كريمة لنا ملايين المحرومين والموصومين منذ عام 2014 حددت الدولة 1514 حيا فقيرا عرفتها بأنها ذات أولوية لسياسة المدينة التي تتضمن مشاريع تستهدف السكان المعزولين وفي 28 ديسمبر كانون الأول 2023 صدر مرسوم رقم 1314 المتعلق بتعديل قائمة المناطق ذات الأولوية في المديريات الحضرية وضمت اللائحة 1362 حيا يعيش فيها 5 4 ملايين شخص أي نحو 8 2 من السكان وهؤلاء يشكلون 13 من الباحثين عن عمل إذ يزيد معدل البطالة في هذه المناطق بثلاثة أضعاف عن المعدل الوطني وفق بحث التشغيل والتنمية الاقتصادية لمصلحة سكان الأحياء والذي نشرته وزارة البيئة والتماسك الإقليمي في 17 نوفمبر تشرين الثاني 2023 ويتركز عمل غالبية الفئات التي تقطن أحياء الضواحي تلك في المهن التي تحتاج عمالا غير مهرة ويعانون من انعدام الأمن المالي بشكل أكبر وعانت هذه الأحياء في فترة الانتقال إلى اقتصاد الخدمات والابتكارات وأصبحت الوظائف الجديدة تتطلب مستوى عاليا من التأهيل ما زاد من استبعاد الأيدي العاملة غير المتخصصة ورفع نسب البطالة في صفوفهم حتى أمسى الأمر واحدا من الأسباب الرئيسية للفصل الحضري بحسب دراسة مشكلة الضواحي 5 4 ملايين شخص يعيشون في الأحياء المحرومة ويبين تقرير مشترك صدر في يونيو حزيران 2020 عن الوكالة الوطنية لتماسك الأقاليم هيئة حكومية مكلفة بتطبيق سياسة المدينة ومركز الدراسات والأبحاث حول المؤهلات الدراسية إدارة حكومية تعنى بدراسة متطلبات سوق العمل بعنوان ماذا يحدث للشباب من المناطق ذات الأولوية بعد الثانوية أنهم لا يتمتعون بنفس المستوى التعليمي الذي يحظى به أقرانهم في الأحياء الأخرى إذ تنعكس الخلفية الاجتماعية على التحصيل العلمي خاصة لمن ولدوا في عائلات مهاجرة أو ذات مستوى اجتماعي متواضع كما أن ضعف الموارد في تلك الأحياء يعيق السلطات المحلية عن الاستثمار في القطاع التعليمي على النحو المطلوب ورغم محاولات الدولة إصلاح الأمر عبر تدخلات من ضمنها سياسة المدينة لكنها ركزت فقط على تجديد المباني السكنية والبنى التحتية وفشلت في خلق بيئة استثمارية توفر فرص عمل للسكان كما رصد حكيم القروي الباحث السياسي الفرنسي تونسي الأصل في معهد مونتين ومعد دراسة الأحياء الفقيرة لديها مستقبل الصادرة عن المعهد في أكتوبر تشرين الأول 2020 محذرا مما كشفته نتائج الانتخابات الرئاسية عام 2022 من أن 32 من الناخبين يميلون إلى أطروحات اليمين المتطرف التي تحمل المهاجرين أو الفرنسيين من أصول مهاجرة مسؤولية مآسي فرنسا وفي ردها على العربي الجديد اكتفت الوكالة الوطنية لتماسك الأقاليم بالقول إن مكافحة التطرف ليست الدافع وراء إطلاق تلك السياسة بالتالي فهي ليست الجهة المعنية بالرد بينما تذرعت اللجنة الوزارية لتفادي الانحراف والتطرف تتبع رئاسة الوزراء بأنها ليست مخولة بالتحدث باسم الدولة الفرنسية لوسائل الإعلام ويقتصر دورها على التنسيق بين الجهات المختلفة في العمل على ملف مكافحة التطرف إعلام يصنع ويعزز الصورة النمطية يربط بوعناني المقيم في تراب ويعمل فيها بين الصورة التي أصبحت مترسخة في أذهان الناس عن ضواح معينة بأنها حاضنة للمتطرفين ودور وسائل الإعلام في تضخيم هذه الصورة والتركيز على أحداث معينة وتكرارها مستذكرا مثالا على تراب بقوله إنه في إبريل نيسان 2016 تداولت وسائل إعلام فرنسية تقارير مفادها أنه بين 60 و80 شخصا من سكانها التحقوا بتنظيم داعش وكان الجميع يتابع ذلك الضخ الإعلامي بكثافة ومن وقتها ألصقت وسائل الإعلام بهذه البلدة أوصافا تدلل على التطرف وبالتالي ووفق منطق العرض والطلب بادرت عدة وسائل إعلامية إلى توفير مساحات لهذا الخطاب بغرض مضاعفة المشاهدات بحسب القروي والذي ضرب مثالا بتعاقد منصات إعلامية مع أصحاب الخطاب المتطرف كالمرشح السابق للانتخابات الرئاسية إريك زيمور Eric Zemmour الذي أصبح ضيفا دائما أو مقدم برامج لتتحول تلك المساحة الإعلامية الممنوحة له إلى منبر لتسويق أطروحاته لا سيما نظرية الاستبدال الكبير وعمادها أن المسلمين سيشكلون نصف سكان فرنسا في العام 2050 ما سيفضي إلى تلاشي الشعب الفرنسي الأصيل ولا تعد وسائل الإعلام المتهم الوحيد بتعزيز تلك الصورة السلبية وفق أفينيل لكن باحثين يساهمون أيضا عن غير قصد في نشر تلك الصورة السلبية لتناولهم المكثف لحال تلك المناطق ما يمنح سندا أكاديميا للخطاب الذي يصم الضواحي وسكانها بكل ما هو سلبي بما فيه الإرهاب والتطرف حتى أن بوعناني ورفاقه اعتادوا على قراءة وسماع ومشاهدة ما يسيء إلى مدينتهم مدركين الهدف من ذلك وهو التعتيم على تقاعس أجهزة الدولة في توفير الخدمات لهم ما عرقل اندماجهم في بلدهم التي لم تقم بدورها تجاههم