الصين في أوكرانيا وفلسطين البحث عن دور

٣٨ مشاهدة
من المؤسف أن دولة كبيرة ومستقلة وقوية مثل الصين أصبحت أداة بيد بوتين بهذه الكلمات هاجم أخيرا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الصين متهما إياها بتقويض قمة السلام العالمية التي عقدت في سويسرا الشهر الماضي يونيو حزيران بعنوان قمة السلام الأوكرانية وأضاف أن روسيا تفعل كل ما في وسعها لعرقلة قمة السلام باستخدام النفوذ الصيني في المنطقة جاء هجوم زيلينسكي بعد رفض الصين المشاركة في القمة قائلا إنها تعمل من أجل عدم حضور الدول إلى قمة السلام على عكس الولايات المتحدة التي وعدت بإرسال ممثل رفيع المستوى وتشجع الآخرين على الحضور وتعتبر هذه التصريحات انقلابا أوكرانيا على المواقف الرسمية السابقة تجاه الصين فإلى وقت قريب كان زيلينسكي يسعى إلى إشراك الصين وسيطا لإنهاء الحرب وطلب إجراء مكالمة مع نظيرة الصيني شي جين بينغ التي جرت فعلا في إبريل نيسان 2024 وعقب عليها زيلينسكي قائلا كانت مكالمة طويلة وذات مغزى وتم إيلاء اهتمام خاص لسبل التعاون الممكنة لإرساء سلام عادل ومستدام في أوكرانيا يحاجج المفكر الإنكليزي روبرت كوكس أن القبول Consent من الآخرين شرط أساس تسعى القوى العظمى إلى الحصول عليه في سعيها إلى تعزيز نفوذها وهيمنتها عالميا إلى جانب تفوقها المادي العسكري والاقتصادي وإنشائها مؤسسات دولية ومن ثم تأتي أهمية القبول من درجة أهمية العوامل المادية التي تمتلكها الدولة فمن دون قبول المجتمع الدولي دورها الصاعد والاعتراف بها لاعبا دوليا يصعب على الدولة ممارسة قوتها عالميا وتحقيق الهيمنة سعت بكين في الحربين الروسية الأوكرانية والإسرائيلية الفلسطينية إلى تحقيق تفوق نسبي في مجال القبول لمكانتها دولة تسعى إلى تحقيق السلام العالمي مقارنة بواشنطن التي تصب الزيت على النار طرحت بكين نفسها راعية للأمن الدولي ودعت إلى الانضمام إليها لخلق نظام أمني مشترك بديل من النظام الأميركي الصين والقبول الأوكرانيللحصول على القبول مارست الصين دبلوماسية خطابية محسوبة فروجت دورها دولة راعية للسلام عبر انتقادها سياسات الولايات المتحدة في الحالة الأوكرانية اتهمت الصين بشكل مباشر واشنطن بأنها السبب وراء الدمار وزعزعة النظام الأمني في أوروبا ولترسيخ هذه الصورة استغلت الصين مرور ذكرى عام على اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية وأصدرت وثيقتين في فبراير شباط 2023 وهما مبادرة الأمن العالمي والهيمنة الأميركية ومخاطرها تأتي أهميتهما من تأكيد الصين أن الأمن قضية ملحة لجميع الشعوب وبسبب الهيمنة الأميركية وعقلية الحرب الباردة يعيش المجتمع الدولي في حالة عدم استقرار كانت السبب الرئيس في اندلاع الحرب الأوكرانية طرحت بكين نفسها في الوثيقيتن راعية للأمن الدولي مؤكدة سعيها إلى إعادة الأمن والسلم الدوليين ودعت الدول إلى الانضمام إليها في إيجاد نظام أمني مشترك جديد وبديل من النظام الأميركي تتحدث الصين في الوثيقتين مع شعوب العالم قائدا فعليا يسعى إلى بناء مستقبل البشرية في بيئة آمنة فجاء في وثيقة الأمن إن قضية الأمن تتعلق برفاهية شعوب جميع البلدان والقضية السامية للسلام والتنمية في العالم ومستقبل البشرية وحظيت الوثيقة بإجماع المجتمع الدولي وقبوله خاصة أنها تركز على الأمن المشترك ركزت الصين في الوثيقتين على نقد سياسات واشنطن خصوصا مسألة عدم التدخل في الشؤون الداخلية وعقلية الحرب الباردة وفي وثيقة الهيمنة الأميركية نصبت الصين نفسها قائدا لحملة دولية رسمية هدفها حشد الإجماع الدولي ضد الولايات المتحدة وتعتبر الأولى من نوعها التي تفردها الصين وتعنون فيها واشنطن خطرا على رفاهية الشعوب وسيادة الدول وجاء مضمونها بمثابة تذكير للعالم بتاريخ الهيمنة الأميركية وحاضرها الخطير على السلام الدولي كانت الصين قد حققت بعضا من القبول المرجو في الحالة الأوكرانية لاعبا دوليا من الممكن أن يؤثر في مجرى الأحداث رد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على الوثائق الصينية قائلا إن الصين تحترم تاريخيا سلامة أراضينا ولذلك عليها أن تفعل كل شيء حتى تغادر روسيا أراضي أوكرانيا وأرغب في لقاء شي جين بينغ لأن ذلك سيفيد بلداننا والأمن في العالم وفي تصريح آخر دعا زيلينسكي نظيره الصيني إلى زيارة أوكرانيا بقوله أريد التحدث معه لم نتواصل منذ بداية الحرب أبدا ومستعد لرؤيته هنا تشير هذه التصريحات إلى اقتناع أوكرانيا سابقا بأن من يستطيع وقف الحرب ليس جو بايدن بل الرئيس الصيني وهو قبول واضح لدور الصين قوة عظمى صاعدة ولكن بعد القمة الأوكرانية ورفض الصين المشاركة اتهم زيلينسكي الصين بوضوح بمشاركتها في العدوان على أوكرانيا عبر توريدها أسلحة لروسيا خلال الحرب وقال كيف تدعم الصين روسيا بعد فرض عقوبات عليها بسبب حرب أوكرانيا يبقى السؤال هل تستطيع الصين وقف الحرب هل تمتلك أدوات القوة للضغط على روسيا لوقف الحرب وهل لديها رغبة حقيقية في إيقاف الحرب لقد استخدمت واشنطن الخطاب نفسه وقالت إنها تأمل أن تقوم الصين بفعل ما يلزم لوقف الحرب الروسية على أوكرانيا ولكن في السياق الأميركي هل الدعوة كانت نابعة من اعتراف واشنطن بدور صيني متصاعد ومؤثر أم جاءت في سياق اتهامها طرفا متورطا في الحرب الصين والقبول الفلسطينيبالانتقال إلى الحرب الإسرائيلية على غزة استغلت الصين السلوك الأميركي أيضا من أجل إبراز صورتها طرفا يسعى إلى السلام في الشرق الأوسط وقد انتقد المبعوث الصيني في الأمم المتحدة تشانغ جيون واشنطن وحلفاءها بسبب التصويت ضد مشروع القرار البرازيلي في مجلس الأمن لوقف إطلاق النار في غزة أكتوبر تشرين الأول 2023 أيده 12 عضوا وعارضته واشنطن وامتنعت روسيا والمملكة المتحدة عن التصويت قائلا طريقة تصويتهم لا تؤدي إلا إلى التشكيك في استعدادهم للسماح للمجلس باتخاذ أي إجراء وفي صدقهم لإيجاد حل للمشكلة وفي تصريح آخر له بشأن الدعم الأميركي إسرائيل في استمرار الحرب والقلق الصيني من توسع الحرب إقليميا بسبب هذه السياسات قال تشانغ لا بد من الإشارة إلى أن السماح باستمرار القتال في غزة وتصعيده مهما كانت المبررات لن يؤدي إلى انتصار عسكري كامل لأي من الطرفين بل سيؤدي على الأرجح إلى كارثة تعم المنطقة بأكملها ولإثبات التفوق الصيني على واشنطن أخلاقيا وللتلميح بازدواجية المعايير الأميركية في الحربين قال تشانغ نأمل أن تحافظ جميع الأطراف المعنية على الحياد وأن تمارس نفوذها ممارسة فعالة على الأطراف المعنية ويتعين على الدول أن تتمسك بالضمير الأخلاقي بدلا من التشبث بالحسابات الجيوسياسية فضلا عن المعايير المزدوجة ولوضع بكين دولة تسعى إلى تحقيق سلام خال من مصالح ذاتية مقارنة بغيرها من الدول الولايات المتحدة قال تشانغ إن الصين ليس لديها مصلحة ذاتية في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية إن أي مبادرة تساهم في السلام سوف تحظى بدعم الصين القوي وأي مسعى يسهل المصالحة الفلسطينية الإسرائيلية ستبذل فيه الصين قصارى جهدها من ثم أظهرت الصين أنها لا تمارس أدوارا تعزز الحرب وتوسع نطاقها وأنها لن تدعم طرفا على حساب آخر منذ 25 أكتوبر تشرين الأول 2023 صعدت بكين نبرة انتقادها واشنطن وصوتت ضد مسودة مشروع قرار أميركي في مجلس الأمن من دون الإشارة إلى الدعم العسكري والمادي الأميركي لإسرائيل أو عقلية الحرب الباردة وبقي النقد محصورا في إطار سياسات واشنطن في الأمم المتحدة حيث قال تشانغ جون المسودة لا تعكس أقوى الدعوات في العالم لوقف إطلاق النار وإنهاء القتال ولا تساعد في حل القضية إن مثل هذا التطبيق الانتقائي للقانون الدولي والمعايير المزدوجة لن يؤدي إلا إلى دفع المزيد من المدنيين الأبرياء إلى حافة الموت انتقدت بكين واشنطن بأنها تمارس الانتقائية والازدواجية في التعامل مع القانون الدولي واتهمتها بالمراوغة وأكدت أنه ليس لها مصالح أنانية من الصراع كما لدى واشنطن وأضاف تشانغ ليس للصين مصالح أنانية في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية إن مثل هذا النهج المراوغ وغير الفعال لن يؤدي إلا إلى تسريع سقوط غزة في كارثة إنسانية أكبر استمرت الصين فيما بعد بتأكيد أن عضوا في مجلس الأمن هو سبب الفشل والعرقلة في التوافق على وقف إطلاق النار ولكن بحذر فقال تشانغ في تصريحين منفصلين يجب على مجلس الأمن أن يتخلص من العرقلة والتدخل من بعض الأعضاء كان ينبغي للمجلس أن يعتمد قرارا أكثر شمولا وقوة قبل ذلك بكثير ولأسباب معروفة للجميع ولا سيما العرقلة المتكررة والمستمرة لعضو دائم في المجلس نجحت الصين عبر هذه السياسة الخطابية في تعزيز صورتها لاعبا إيجابيا ومهما حققت الصين قبولها في الملف الفلسطيني ومن غير المرجح أن يتغير الانطباع الإيجابي بشأنها سواء في المستوى الرسمي الفلسطيني أو الشعبي فلسطينيا وعلى الصعيد الرسمي قال وزير الخارجية رياض المالكي في مكالمة هاتفية مع نظيره الصيني وانغ يي نقدم شكرنا العميق للصين لدعمها العدالة وإرسال رسالة واضحة وقوية والوقوف بحزم مع الشعب الفلسطيني وتقديم المساعدة الإنسانية الطارئة شعبيا لاقت الصين قبولا إضافيا بين النخب الفلسطينية الأكاديمية ومع اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة تواصلت مجموعة من المثقفين الفلسطينيين في أكتوبر تشرين الأول 2023 مع السفير الصيني في فلسطين تسنغ جيشن وسلمته رسالة موقعة من شخصيات ومؤسسات أهلية ونقابية فلسطينية في لقاء معه في السفارة الصينية وجاء فيها إن ملايين الفلسطينيين داخل فلسطين وخارجها ومئات ملايين الأحرار في العالم الذين يحلمون بعالم أكثر عدلا وبعيدا عن الهيمنة يعلقون آمالهم على الصين بمكانتها ونفوذها كي تتحرك وفق بوصلة العدالة والحرية والكرامة الإنسانية وتوقف المجزرة ضد فلسطين والفلسطينيين الآن وفورا أما عربيا ففي 20 نوفمبر تشرين الثاني 2023 قررت كل من مصر والسعودية والأردن وفلسطين وإندونيسيا ومنظمة التعاون الإسلامي أن تكون بكين المحطة الأولى لجولتهم الدولية التي هدفت إلى البحث عن سبل لوقف العدوان على قطاع غزة وكما في الحالة الأوكرانية طالب وزراء خارجية الدول العربية والإسلامية الصين بأن تؤدي دورا أكبر إذ أشاروا إلى ضرورة توسيع التنسيق مع الصين ليس من أجل وقف إطلاق النار فقط بل أيضا من أجل إقامة دولة فلسطينية على أساس حل الدولتين وفي السياق الإقليمي دعوا الصين إلى أن تساهم مساهمة ريادية في تحقيق السلام والاستقرار الدائمين في الشرق الأوسط فشلت الصين في تحقيق القبول في الملف الأوكراني بعد ما يقارب العامين من اندلاع الحرب الروسية لقد اختبر زيلينسكي السياسة الخارجية الصينية خلال الحرب واكتشف متأخرا أن الصين لن تمارس أي ضغط يذكر على روسيا لوقف الحرب وأن دبلوماسيتها الداعمة لاحترام سيادة الدول بما فيها أوكرانيا أقرب إلى الصوت منها إلى الفعل الحقيقي فلسطينيا حققت الصين قبولها ومن غير المرجح أن يتغير الانطباع الإيجابي بشأن الصين سواء في المستوى الرسمي الفلسطيني أو الشعبي

أرسل هذا الخبر لأصدقائك على

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2024 يمن فايب | تصميم سعد باصالح