الصورة بصفتها مكانا للعيش

141 مشاهدة

في إحدى اللقطات التي تناقلتها وسائل إعلام كثيرة، تظهر طفلة فلسطينية مصابة، وهي تسأل الطبيب الذي يعالجها: عمّو هيدا حلم ولاّ بجدّ؟، ثمّ تكرّر السؤال: هيدا حلم ولاّ حقيقة؟. هذا السؤال الصعب يختصر أحوال زمن الحرب الذي تتلاشى فيه المسافة بين الحياة والموت. رؤية الفتاة، بل حركاتها وملامح وجهها، وهي تلتفت نحو الطبيب، تعجز عن صَوغه الكلمات.

الصورة، هنا، لا تحتاج إلى ترجمة أو وساطة لأنها تنقل الجرح العاري، التجربة الحيّة ورعبها المُطلَق: وجه طفل مغطّى بالغبار، أبنية مهدّمة، يد ممدودة من تحت الأنقاض ومجاري الدماء… كلّها تنفذ مباشرة إلى العين بلا حواجز. الصورة تصدم، تختصر، وتُعرّي الواقع في لحظة واحدة. لكن، في المقابل، الكلمات تستطيع أن تُعيد بناء المعنى وأن تحوّل الألم إلى شهادة.

الصورة، هنا، في جوهرها، سلاح ضدّ النسيان، وهي كالكتابة، توثّق وتشهد، وتقول لا لتجريد الإنسان من إنسانيته ولا للمَحو، ولا لإخفاء الجريمة وتغطيتها بالنسيان، كأنها تمنح الضحية حياة ثانية، وتجعل من موتها معنى لا مجرّد رقم وحدث عابر... صحيح أنّ الصورة تصنع الذاكرة الجماعية للحرب، لكنها، في الوقت نفسه، ومن خلال استعمالها وطريقة التعامل معها، قد تحوّل المأساة إلى مشهد استهلاكي يُفرَّغ من معناه؛ وبفعل التكرار أيضاً، يتحوّل الرعب إلى شيء مألوف، يشكّل خلفيّة لحياتنا اليومية، فيصبح بإمكان الإنسان أن يتناول عشاءه بينما تُعرَض أمامه على الشاشة الصغيرة جثثاً مقطّعة، أو مشاهد مؤلمة من كلّ صنف ونوع.

وهذا ما تلاحظه الكاتبة والباحثة الأميركية سوزان سونتاغ في كتابَيها: عن الصورة الفوتوغرافية وألم الآخرين حيث تقدّم تحليلاً للتغيُّرات العميقة التي أحدثتها الصورة الفوتوغرافية في طريقة رؤيتنا للحياة ولأنفسنا. فالصورة ليست وسيلة تقنية للتوثيق فحسب، بل هي أيضاً أداة إدراك وتفكير تترك أثرها على علاقتنا بالعالم والواقع والذاكرة.

الصورة ليست وسيلة للتوثيق فحسب، بل أداة إدراك وتفكير

تقول سونتاغ إنّ الفوتوغرافيا الحربية ليست مجرّد توثيق، بل هي أيضاً جزء من الوعي الجمعي والسياسي. وعبّرت في الكتابين عن خشيتها من اعتياد المشاهد على صور المأساة، فلا يعود يراها، في

ارسال الخبر الى:

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2016- 2025 يمن فايب | تصميم سعد باصالح