تحت الصفر
تعيش حضرموت اليوم حالة من البرود السياسي والاجتماعي غير المسبوقة، يمكن وصفها مجازًا بأنها “تحت الصفر”، فالمتابع للمشهد الحضرمي يلحظ فتورًا واضحًا في ردود الفعل تجاه الأحداث والمتغيرات المتسارعة، وكأن المجتمع بأكمله يعيش مرحلة من الخدر أو الصمت الموجع، لا يليق بتاريخ هذه الأرض ولا بمكانتها .
ما كان يُعد في السابق خروجًا عن السلوك الحضرمى المتزن، أصبح اليوم يُقابل بالتجاهل أو التبرير أو الصمت، وكأن ما يجري لا يعني أحدًا، لقد تراجعت مفاهيم التلاحم الاجتماعي، وغابت روح المسؤولية الجماعية، وتبددت مخاوف الناس من انهيار السلم الأهلي الذي ظل لسنوات عنوانًا لخصوصية حضرموت .
السكوت عن الخطأ، سواء كان مرتبطًا بالمال العام أو بإهانة سلطة الدولة أو بتقويض الأعراف التي بناها الأجداد، لم يعد موقفًا محايدًا، بل أصبح مشاركة سلبية في صناعة الفوضى، فحين يختار المجتمع الحضرمي الصمت أمام العبث، فإنه يساهم – دون أن يدرك – في تمكين العابثين وتوسيع الفجوة بين الناس والسلطة .
حضرموت التي كانت تُعرف باتزانها ووعيها وعمق تفكيرها، أصبحت اليوم ميدانًا لتجارب سياسية متناقضة، ومصالح ضيقة، وأصوات خافتة تتجنب المواجهة باسم “الحكمة”، بينما الحكمة الحقيقية تكمن في قول الحق ومواجهة الانحرافات بحزم ومسؤولية .
لقد حان الوقت لإعادة قراءة هذا الصمت، ليس باعتباره حيادًا، بل كعرضٍ لمرضٍ أعمق أصاب الوعي الجمعي للحضارم، وجعلهم يتعاملون مع ما يحدث وكأنه شأن عابر أو معركة لا تعنيهم، البرود الحضرمي اليوم ليس من طبع الناس، بل من نتائج الإحباط المتراكم وغياب الثقة في القوى التي تتحدث باسمهم، وهو ما يستدعي مراجعة شجاعة تضع الأمور في نصابها قبل أن يتحول “تحت الصفر” إلى حالة دائمة يصعب الخروج منها .
ارسال الخبر الى: