الصراع السياسي واستفهامية الفكرة المدنية في تعز

يمنات
فهمي محمد
في خضم كارثة الإنقلاب والحرب والدمار التي عصفت باليمن، برزت تعز كظاهرة تستحق الدراسة والتحليل، فبينما انسحب الكثيرون من دائرة الفعل السياسي تحت وطأة القمع والاستبداد، وصوت الرصاص ظلت هذه المدينة تشكل مساحة جغرافية فريدة لممارسة السياسة بمفهومها الفاعل، حافظة على حرية الكلمة والنقد في ظلام الواقع المرير الذي زحف بسواده من صعدة واجتاح اليمن.
غير أن هذه الظاهرة تحمل في طياتها مفارقة عميقة؛ فتعز التي صمدت كمتنفس للسياسة والحزبية والتكتلات السياسية في زمن الحرب التي دارت في شوارعها، وفي محيطها، تواجه اليوم تحولاً خطيراً في طبيعة صراعاتها السياسية التي توشك أن تغلق أبواب السياسة، بحيث أصبحت فيه الاستفهامية الحقيقية موجهة نحو غياب الفكرة المدنية التي تؤمن بالآخر كضرورة وكوجود سياسي مشروع يختلف معك دون أن يكون عدواً وشرا مطلقاً في اجندتك الإعلامية.
لم تأتِ مكانة تعز السياسية ( كرافعة ) من فراغ، فتاريخياً شكلت هذه المدينة حاضنة للفكر والثقافة والسياسة، حتى في أحلك الظروف قتامة. وهي كذلك لم تكن بمنأى عن الحرب، بل كانت مسرحاً لأشرس المواجهات العسكرية مع المليشيات الانقلابية، لكن شيئاً ما متأصلا في نسيجها الاجتماعي وعقلها الجمعي مكنها من الحفاظ على دور السياسة وحضورها الفاعل في مجالها العام. هذا الاستمرار في ممارسة الفعل السياسي الحزبي، يشير إلى عمق التقاليد السياسية في هذه المدينة، لكنه أيضاً يضع أمام النخب السياسية مسؤولية تاريخية للحفاظ على هذه المكانة وتطويرها وهنا تكمن إشكالية تعز مع نخبها السياسية في الوقت الحالي.
صحيح أينما توجد الأحزاب السياسية يوجد الصراع السياسي وهذا شئ طبيعي لان الأحزاب وجدت للتعبير عن التطلعات المختلفة للناس ووجدت للتنافس على مقاليد السلطة لكن التحول الخطير الذي تشهده تعز اليوم يتمثل في تحول الصراع السياسي من تدافع أفكار ورؤى ومنافسة إلى صراع مشبع برغبة الاستئصال السياسي للاخر . لم يعد الأمر خلافاً حول الرؤى أو السياسات، أو نقد للهيمنة والاستحواذ بل تجاوز ذلك إلى إنكار حق الآخر في الوجود.
في قلب هذه الأزمة يطفو على السطح
ارسال الخبر الى: