ركز التنافس بين كل من روسيا والولايات المتحدة خلال الفترة الأخيرة على الاقتصاد الليبي وهما يستغلان الصراع المحلي واصطفاف كل طرف ضد الآخر عبر بناء تحالفات عسكرية واقتصادية مع قوى دولية كبرى كما هو الحال مع روسيا التي تطور وجودها العسكري إلى حد البدء في بناء فيلق عسكري أفريقي في عدة دول أفريقية ومنها ليبيا بالإضافة إلى الحالة الأميركية الأوروبية المتزايد لوجودهما في الشرق الليبي وفي الآونة الأخيرة وجهت موسكو دعوات لعدد من القادة في السلطة القائمة في طرابلس لزيارتها ومناقشة العلاقات الثنائية خاصة في مجال الاقتصاد حيث ناقش نائب رئيس المجلس الرئاسي عبد الله اللافي ووزير الخارجية بحكومة الوحدة الوطنية الطاهر الباعور مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ومسؤولين روس آخرين آفاق توسيع الشركات الاقتصادية وتفعيل اللجان المشتركة في مختلف الجوانب لا سيما عودة الشركات الروسية للعمل في مشاريعها المتوقفة منذ العام 2011 وفي شرق ليبيا أجرى القائم بأعمال السفارة الأميركية في ليبيا جيريمي برنت زيارة إلى بنغازي التقى فيها نجلي خليفة حفتر صدام وبلقاسم لبحث العديد من الملفات الخاصة بالمؤسسات الأمنية والاقتصادية وإن كانت أنشطة صدام يغلب عليها الطابع الأمني إلا أن اللافت في اللقاء أن بلقاسم يترأس صندوق التنمية وإعمار ليبيا خاصة وأن جيرمي برنت أكد له استعداد بلاده دعم جهود صندوقه في إعادة إعمار وتنمية ليبيا وهو ما أكدته بلدية بنغازي التي جرى اللقاء بضيافتها وركز بيان بلدية بنغازي على مباحثات السفير الأميركي في الجانب الاقتصادي موضحة أن اللقاء ناقش سبل التعاون مع الشركة الأميركية في إشراكها في برامج الإعمار في بنغازي ودرنة وتظهر هذه الاتصالات والمساعي الاقتصاد كواجهة رئيسية لحالة التنافس الأميركي الروسي ففيما تملك موسكو مشاركة كبيرة في مشاريع الإعمار في بنغازي ودرنة شرق البلاد بالتوازي مع ثقلها العسكري والسياسي فإنها تسعى للاتصال بسلطات غرب البلاد لتشبيك علاقاتها الاقتصادية معها خاصة تفعيل اتفاق الصداقة الروسية الليبية الموقع عام 2008 ويتضمن استثمارات روسية بمليارات الدولارات لا تملك سلطات شرق ليبيا الشرعية لتفعيلها في المقابل وبينما تملك واشنطن وجودا سياسيا ودبلوماسيا كثيفا في غرب البلاد يؤثر في المؤسسات المالية والاقتصادية الرئيسية كالبنك المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط فإنها تسعى لربط علاقات اقتصادية مع القادة في شرق البلاد قريبا من قواعد النفوذ الروسي وفي وقت يرى فيه الأكاديمي وأستاذ العلاقات الدولية رمضان النفاتي أن هذا التحركات الدولية نذير لا ينبئ بخير ويمثل دخول البلاد في مرحلة خطيرة من مراحل الصراع الدولي الحاد الذي قد يؤدي بالنهاية إلى تقسيمها فعليا يشير إلى أنها تحركات بمثابة مزاحمة كل طرف لآخر في منطقة نفوذه ويضيف النفاتي في حديث لـالعربي الجديد أن خريطة الصراع الدولي في ليبيا في طريقها للوضوح فالروس في الجانب الشرقي والغرب بما فيه الأميركيون والأوروبيون في الجانب الغربي موضحا أن هذا التموضع يجعل الجنوب هو الهدف الرئيسي بغنى موارده الطبيعية ومنها النفط والطاقة واتصاله المباشر بالعمق الأفريقي ويوضح النفاتي أن هذه المرحلة تهدد وحدة البلاد التي تعتبر فيها الموارد النفطية عاملا رئيسيا في استمرارها أما مشاريع الإعمار والتنافس فيها فلا يبدو أنها أكثر من واجهة للصراع والمزاحمة على الموارد لاستخدامها في إطار الصراع على المصالح لافتا إلى أن زيارة جيرمي للشرق تزامنت مع إعلان من جانب حكومة مجلس النواب عن دعوة روسيا لبناء مصفاتين للنفط في طبرق وبنغازي شرق البلاد وأعلنت حكومة مجلس النواب مطلع الأسبوع الجاري عن عرضها على شركة تات نفط الروسية إنشاء مصفاتين للنفط في بنغازي وطبرق ونقلت وسائل إعلام روسية عن وزير الاستثمار بحكومة مجلس النواب علي السعيدي بأن روسيا تملك الكثير من النفط الخام لكن إمداداتها الآن صعبة بسبب العقوبات والحظر هذا الأمر من الممكن أن يساهم في حله مصفاة يجري إنشاؤها في ليبيا ويتم نقل النفط الخام إليها ومن ثم بيع المشتقات النفطية مضيفا أنه يمكن للشركة الروسية استخدام النفط الموجود في ليبيا أيضا لتكريره ومعالجته وحسب النفاتي فإن هذه الدعوة الصريحة هي بمثابة مؤشر واضح على اتجاه نقل الموارد الليبية إلى ساحة الصراع الدولي معتبرا أنها خطوة تقف وراءها موسكو لتجاوز الحظر الدولي المفروض على نفطها ورجح أن تسعى واشنطن وأوروبا إلى زيادة نفوذهما في قطاع النفط الليبي لمنع استغلاله من جانب موسكو ويذكر أن شركة تات نفط الروسية تمتلك منذ العام 2005 امتيازات في الاستثمار في مجال الطاقة في سرت وغدامس بينما لم تتحصل في السابق على أي حق للاستثمار في مناطق الجنوب حيث منابع النفط مضيفا بناء مصاف في طبرق وبنغازي لا يحتاج تفكيرا عميقا لنفهم أنهما المدينتان اللتان تشكلان ممرا رئيسا بالنسبة لموسكو للعمق الأفريقي والخطر الحقيقي هو تحويل قسم كبير من إنتاج النفط إليهما تحت غطاء التكرير للسيطرة عليه إذا تم تنفيذ المشرعين وقبل أسبوعين أعلنت الهيئة العامة للاستثمار وشؤون الخصخصة التابعة لحكومة مجلس النواب عن رغبتها في الانفتاح على كل الاستثمارات الأجنبية لافتة إلى أن روسيا من بين الدول التي تناقش الهيئة رفع مستوى التعامل الاقتصادي معها