الشهيد الغماري نموذج القيادة الملهمة
كان الشهيد رضوان الله عليه واحداً من أولئك القادة الذين يصنعون حضورهم في الغياب. يمكننا القول إنه كان حاضراً في كل سطر من معادلة المواجهة مع العدو، وفي كل تحول استراتيجي شهدته بلادنا والمنطقة خلال عقد كامل من الصراع والمواجهة.
لم يكن القائد العسكري في صورته النمطية؛ بل كان يعمل بصمت يوازي الصبر، وبذكاء يسبق التوقيت. امتلك من الحنكة ما جعله يتعامل مع المعركة كمنظومة متكاملة، يقرأ الخطر بعين الاستخبار، ويخوض المواجهة بعقل الميدان، ويمزج بين الإيمان والعقلانية في كل قرار يتخذه. كانت قيادته انعكاسًا لفلسفة خاصة، تقوم على أسس من المنهج القرآني، وأكد للجميع أن النصر يُصنع بالثقة بالله، واستشعار المسؤولية، والالتزام بالتوجيهات، مع القدرة على جعل كل مجاهد وقائد يشعر أنه جزء من الفكرة والأهداف الكبرى.
أدرك الشهيد أن القوة في امتلاك وعيٍ منظم، ولذلك كان يؤمن بأن التنظيم هو نصف المعركة، وأن بناء الرجال أصعب من شراء السلاح. ومن هنا، تحوّل من مجرد قائد ميداني إلى عقل مؤسس لمنظومة عسكرية وأمنية استطاعت أن تفرض حضورها على خريطة الإقليم. في رؤيته، كان الردع أبلغ من الهجوم، والثبات أعمق من الاندفاع، والتخطيط البعيد أكثر تأثيرًا من اللحظة الانفعالية.
لم يكن مجرد رجل حرب، بل رجل مشروع. القيادة في نظره ليست في الصراخ أو الأوامر، بل في القدرة على تحويل القناعة إلى فعل، والفعل إلى نظام، والنظام إلى توازن. وفي كل ما فعله، كان يثبت أن القائد الحقيقي هو من يستشعر المسؤولية قبل أن يطلق الرصاصة، ومن يزرع في أفراده الإيمان قبل أن يطلب منهم المواجهة.
كان الشهيد رضوان الله عليه يرى في كل مواجهة درسًا، وفي كل انتصار مسؤولية مضاعفة. لم يكن يعتبر المعركة نهاية المطاف، بل بداية لمرحلة وعيٍ جديد، يعاد فيها بناء الصفوف وتقييم الخطوات. كان يدرك أن النصر الحقيقي لا يُقاس بعدد المواقع التي تُحرَّر، بل بقدرة المشروع على البقاء والاستمرار رغم التحديات، وبمقدار ما يولِّده من وعي وثبات في النفوس.
لقد جعل من الانضباط سلوكًا
ارسال الخبر الى: