الشرق الأوسط والتحالفات المتغيرة
يشهد المشهد السياسي في الشرق الأوسط اليوم تحولات عميقة، لا يمكن فهمها بمعزل عن الأحداث المفصلية التي عصفت بالمنطقة منذ عام 2011، بل ربما منذ الغزو الأميركي للعراق عام 2003. لقد انهارت التوازنات التقليدية التي كانت تحكم القوى الإقليمية، وظهرت تحالفات جديدة من رحم الدمار، في سيناريو يذكّر بصراعات ما بعد الحرب العالمية الأولى، لا من حيث الجغرافيا فحسب، بل من حيث مفاهيم السيادة والشرعية والنفوذ أيضًا.
أننا أمام شرق أوسط تتغير فيه قواعد اللعبة، لا اللاعبين فقط. فالدولة لم تعد الكيان الوحيد المؤثر، والتحالف لم يعد ثابتًا، والمقاومة لم تعد محصورة بسلاح
من خلال متابعتي تطورات المنطقة في السنوات الأخيرة، وتحديدًا منذ التسارع في وتيرة التطبيع بين عدد من الدول العربية وإسرائيل، بات من الواضح أن منطق التحالف لم يعد يحكمه المعيار الأيديولوجي أو الشعارات البراقة، بل أصبح محكومًا بحسابات البقاء، وتثبيت الأنظمة، وتجنب التكاليف السياسية والأمنية داخليًا. حتى القضية الفلسطينية، رغم عدالتها ومركزيتها، لم تعد قادرة على أن تكون المحك الأساسي لسياسات الدول، بل تحولت إلى ورقة مساومة في سوق المصالح وتوازنات الردع الإقليمي.
نشهد اليوم إعادة تموضع تدريجية لكل دولة في المنطقة، من الخليج إلى بلاد الشام مرورًا بمصر وتركيا وإيران، سعيًا لضمان مصالحها على المديين المتوسط والبعيد. المملكة العربية السعودية، على سبيل المثال، ابتعدت عن عقود من التحالف المطلق مع واشنطن لتبني سياسة أكثر براغماتية، ففتحت خطوط تواصل مع الصين وروسيا وإيران، بل واستعادت جزءًا من دبلوماسيتها الهادئة التي غابت بعد عام 2015. في المقابل، فتحت الإمارات العربية المتحدة الباب أمام طيف واسع من التحالفات الاقتصادية والعسكرية، حتى مع خصوم الأمس، بينما تسعى قطر إلى التموضع وسيطًا دوليًا في هذه اللحظة النادرة من الاستقطاب الحاد. أما تركيا، فتتأرجح بين ضرورة الحفاظ على علاقاتها مع حلف الناتو، ومحاولتها نسج دورها قوةً إقليميةً فاعلةً في ملفات متعددة، من سورية إلى ليبيا والقوقاز.
هذه التحولات لا تمكن قراءتها فقط في ضوء تبدل موازين القوى، بل في ضوء فقدان المنطقة
ارسال الخبر الى: