السينما وتغيير العالم الانفجار في أي لحظة

٣٦ مشاهدة
بعد مضي عام على اندلاع طوفان الأقصى واستمرار العدوان الإسرائيلي الوحشي على الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية والإمعان في القتل والإبادة المنهجية يطرح السؤال مجددا عن قدرة السينما على التقاط ما يجري وفضحه والمساهمة في وضع حد له وسط أجواء من الطمس والتزوير والتنكر لمعاني الإنسانية والقيم الكونية المثلى بغض النظر عن حدود قدرة السينما على تغيير العالم وأوضاعه كما يعبر عنها سينمائيون عديدون كالألماني فيم فيندرز بقوله إن كل ما بوسع السينمائي فعله أن يحسن صور العالم وعبر ذلك يأمل أن يتحسن العالم فإن الأفلام ليست الوسيط الأفضل لتمثل الفظاعات والجرائم ضد الإنسانية لكونها تظهر أكثر مما تضمر والإظهار كما هو معلوم طريق مختصرة إلى التطبيع والابتذال ولعل أبرز ما قيل في هذا الشأن إقرار مارغريت دوراس في الصفحات الأولى من ملخص هيروشيما حبيبتي 1959 لآلان رينيه بأن كل ما يمكننا فعله الحديث عن استحالة الحديث عن هيروشيما فادعاء معرفة ما وقع في هيروشيما يمثل بديهيا وهما عقليا نص السيناريو النهائي مفعم بالأضداد تقتلني فتحييني وأكذب عليك فأقول لك الحقيقة وطبعا الجملة الأثيرة لم تر شيئا في هيروشيما رغم كل ذلك تظل وظيفة السينما أساسية وثمينة في إبقاء شعلة الذاكرة متقدة ومحاربة قوى النسيان التي تراهن على الآنية والمفعول المنفر للإغراق في زمن الوفرة الرقمية والسيل المتدفق لصور تنتهي بفقدان كل تأثير ذلك أن السينما تضع الأشياء في منظور تاريخي يشحذ التفكير وترتب الحكايات بحس إنساني وبلاغة فنية تروم استجلاء الحقيقة ولا شيء غيرها على مدى عقود أظهرت أفلام وثائقية وتقارير إخبارية وتحقيقات صحافية سياسة القتل والقمع والمضايقات التي يتعرض لها الفلسطينيون في قطاع غزة والضفة الغربية بالتفجيرات وعمليات القنص الممنهج وهجمات المستوطنين بحماية الجيش الإسرائيلي هكذا توثقت انتهاكات وعنف ما يسمى بـالجيش الأكثر أخلاقية في العالم وكيف جعل من تجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم همه الشاغل خاصة في القطاع حيث ساهم الحصار في انعدام الآفاق أمام الشباب وخلق صعوبات أمام الفلسطينيين في تلبية حاجاتهم الأساسية من غذاء وماء وكهرباء جاعلا من غزة غيتو كبيرا ينبئ بالانفجار في أي لحظة أجواء التقطها الإيطالي الشاب بيرو أوزبرتي في فيلمه الوثائقي سفر إلى غزة 2024 67 دقيقة إذ سافر إلى غزة عام 2018 وكان يبلغ 25 عاما لتمضية ثلاثة أشهر وتوثيق الحياة اليومية الصعبة لأصدقائه هناك إغلاق الحدود انقطاع الكهرباء ضيق الأفق ومن جهة أخرى نظرة تقليدية تجاه دور المرأة في المجتمع رغم ذلك تسعى سارة إلى تغيير الأوضاع بالاشتغال في مجال التوعية الإنسانية بينما تتدرب جمانة على المحاماة ويتشبث محمد بأحلامه الماركسية بعد فشله 13 مرة في مغادرة القطاع من دون أن ينزع ذلك ابتسامة الأمل من وجهه حين تظاهر نحو 30 ألف فلسطيني في مسيرات العودة الكبرى السلمية المعادل الفلسطيني لمسيرة الملح في الهند باتجاه الجدار عام 2018 أطلق القناصة الإسرائيليون الرصاص عليهم وهم عزل من السلاح فجرح الآلاف وقتل أكثر من 60 شخصا في اليوم الأول وحده لكن العالم لم يحرك ساكنا ما عدا إدانات محتشمة في الأوساط الليبرالية ولنا أن نتخيل وقع هذا على نفوس الغزيين خاصة الجرحى أو الذين فقدوا ذويهم في هذه الأحداث هكذا وضعت الوحشية الإسرائيلية التي واجهت سلمية احتجاجات غزة الحدودية حدا لنغمة التفاؤل الصامد لهؤلاء الشباب كما بدا واضحا في تبدل نغمة سفر إلى غزة في القسم الثاني من مذكرات سفر لا تخلو من نبرة تفاؤل حذر وحس طرافة واحتفاء بقدرة الإنسان على الصمود إلى مرافعة إدانة بالغة القتامة لوحشية قمع تظاهرات تذكر بأكثر صفحات البشرية سوداوية لم يتردد المخرج الشاب في وصف الأشياء بما ينبغي أن توصف به من دون لوك الكلام أو تنميقه متحدثا باستبصار مذهل عن تطهير عرقي ومقارنا الاحتلال الإسرائيلي بالاستعمارين الأميركي والأسترالي انتهى أوزبرتي من توليف فيلمه في 23 سبتمبر أيلول 2023 أي قبل أسبوعين فقط من 7 أكتوبر كأن سفر إلى غزة وجد ليواجه السردية العمياء التي تريد إقناعنا بأن كل شيء بدأ في ذلك اليوم تكمن أهمية هذا الوثائقي في أنه يوثق بوسائل تقنية بسيطة هذه الفترة الدقيقة التي تسبق انفجار الأوضاع هذا يذكر بما كتبه الباحث رولان بارت في مؤلفه المرجعي أسطوريات عما يفسر فعالية وانتهاكية أسلوب تشارلي تشابلن القصوى في انتقاد ميكانيزمات المكننة والاستلاب الرأسمالي في الأزمنة الحديثة 1936 أو الإجرام النازي في الديكتاتور العظيم 1940 بأنه يجسد البروليتاري أو الضحية في المرحلة الفارقة حين يكون لا يزال حائرا وغير مدرك شرطه كضحية ومجسدا من خلال الطابع المباشر لاحتياجاته الأولية واغترابه التام على أيدي مضطهديه كما يلتقط المخرج الإيطالي شرط عيش الغزيين في اللحظة الفارقة التي تسبق ثورتهم على أوضاع لم تعد تطاق ولعل أقسى ما أظهره أوزبرتي يتمثل في شاب فقد قدمه في العدوان الإسرائيلي 2014 وحين طالب بفك الحصار وحق العودة 2018 لم يرحمه قناصو الجيش الأخلاقي فأصابوا فخذيه وحتى قدمه الاصطناعية برصاصات انشطارية

أرسل هذا الخبر لأصدقائك على

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2024 يمن فايب | تصميم سعد باصالح