السياحة الثورية في سورية إعادة اكتشاف البلد وهويته
٦١ مشاهدة
يقترح موقع History Hit عناوين جاذبة ومشجعة لزيارة الصين بعد الثورة الشيوعية والحرب مع اليابان وزيارة جنوب أفريقيا وغيرها من الدول التي شهدت ثورات شكلت انتصارات على المستعمرين وأرست أوطانا جديدة هذه الإعلانات رغم إثارتها تقدم مواقع تلك الصراعات باعتبارها مزارات سياحية للراغبين في توثيق لحظاتهم وسط مناخ ثوري والتقاط صور تذكارية للأجيال القادمة قد تبدو هذه الإعلانات مثيرة في عناوينها وأماكن الزيارات باعتبارها أصبحت مواقع سياحية ومزارات للراغبين بتأريخ لحظاتهم وسط أجواء الثورة والتقاط صور تذكارية تروي قصص الصراع والانتصار للأجيال المقبلة ومن الجرأة بمكان بالنسبة لنا تسمية هذا الفعل بـالسياحة الثورية التي تعتمد بحسب المشاهدات والمحتوى المعروض على زيارة أماكن شهدت حروبا وصراعات طويلة بما تحمله كلمة الحروب من تفاصيل وتحويل هذه الزيارات إلى محتوى بصري يوثق تفاصيل الأماكن ومرويات السكان بما يناسب ذوق المشاهد وتفضيلاته وفضوله ينطبق هذا المفهوم على الحالة السورية بعد سقوط نظام الأسد في 8 ديسمبر كانون الأول 2024 وسقوط منظومته الأمنية الاستخباراتية التي كانت عائقا أمام الوصول الفعلي إلى سورية بجغرافيتها الواسعة إذ انقسمت البلاد طيلة 13 عاما سياسيا وعسكريا إلى مناطق محررة ومناطق النظام لكنها أصبحت الآن متاحة أمام الزوار سواء من السوريين أنفسهم أو من الأجانب باختلاف اهتماماتهم ومشاربهم الثقافية والمهنية في الحالة السورية يمكن أن ننظر إلى السياحة الثورية بوصفها شكلا من أشكال السفر المستوحى من التحولات السياسية والأمنية والاجتماعية والثقافية التي شهدتها البلاد فور سقوط الأسد هذا الاتجاه بدأ يبرز بوضوح مع توافد مجموعة من الصحافيين والمراسلين والمؤثرين السوريين والأجانب على حد سواء وزيارتهم عددا من المناطق والنقاط المرتبطة بثورة الشعب السوري يجذب هذا النوع من السياحة الساعين إلى التفاعل مع تاريخ ونضالات وانتصارات السوريين الذين خاضوا معركة طويلة ضد نظام الأسد في السياق السوري تختلف السياحة الثورية عن السياحة الثورية في أي مكان آخر فهي تركز على زيارة مواقع الحراك السياسي والعمليات العسكرية أو المناطق التي شهدت تغيرا اجتماعيا وديموغرافيا كبيرا تبدأ هذه الرحلات من الحواجز الأمنية التي نصبها النظام للتضييق على السوريين وتنفيذ اعتقالات بحق معارضيه مثل حاجز الفرقة الرابعة على طريق دمشق ـ بيروت وتصل إلى المعتقلات الأكثر ظلمة ووحشية في تاريخ سورية والعالم العربي وليس انتهاء بالمدن والبلدات السورية التي انطلقت منها هتافات الثورة السورية درعا وريف دمشق وحمص وحماة وإدلب تشكل هذه النقاط أبرز المواقع التي ظهرت في فيديوهات الزوار الذين أبدوا دهشة كبيرة من وحشية النظام البائد وعظمة الثورة السورية التي أطاحت بحكم دام أكثر من 50 عاما بقبضة حديدية شرسة ينجذب السياح الجدد برغبتهم في مشاهدة التاريخ والوقوف على لحظات الانتصار وتدوين سرديات سورية محلية حول الظلم والاعتقالات التعسفية والتدمير وكم الأفواه ويتقاطع هذا العمل مع السياحة الحمراء Red Tourism التي تنطوي على السفر إلى أماكن مرتبطة بالموت والمأساة والحالات الثورية التي رافقتها الإبادات الجماعية والتطهير العرقي كما في حالة البوسنة والهرسك حيث استهدف التطهير العرقي الذي نفذته قوات صربية في المناطق التي تسيطر عليها البوسنيين الذين تعرضوا لإبادة جماعية وترحيل قسري واعتداءات جنسية واسعة النطاق وتعذيب وحشي ونهب وتدمير للممتلكات الثقافية والدينية عند مشاهدة ردات فعل زوار سورية بعد سقوط الأسد نجد أن السياحة الثورية في البلاد هي استكشافية أساسا حيث يسعى المسافرون سواء كانوا سوريين مغتربين أو محليين أو أجانب إلى فهم الثورة التاريخية وأسبابها ونتائجها من خلال زيارة المناطق التي بدأت منها الثورة والحديث مع أهلها ومعرفة قصصهم في الأيام الأولى من الاحتجاجات وربط الأحداث ببعضها بحيث يصبحون على دراية أوسع بسيرورة الثورة ونشأتها ونقل هذه الدراية إلى المهتمين والمتابعين تنقسم الحالات السياحية إلى نموذجين الأول هو الداخلي وفيه يتبادل السوريون زيارة محافظات أخرى لمعرفة ما حل بها بعد 13 عاما من الثورة والحرب والعمليات العسكرية فيزور فرد دمشقي أو حلبي أو حمصي مدينة إدلب أو درعا أو العكس ليرى مآلات هذا الحراك وكيف تغير المكان تنظم اليوم وعلى غير العادة رحلات ومجموعات سياحية مع برنامج سياحي إلى إدلب التي حرم السوريون من رؤيتها على مدار 13 عاما وتوفر الحملات ذاتها رحلات إلى بصرى الشام في درعا وإلى تدمر وآثارها التي شهدت عمليات قصف وتدمير ممنهجة لمحو الأثر الثقافي للبلاد سواء من الطيران الروسي أو سلاح المدفعية السوري يرى السوريون في هذه الحالة الاختلافات التي طرأت من ناحية تبدل الثقافات وطبائع الناس وطبيعة العلاقات والتبادلات الاجتماعية والاقتصادية وحتى السياسية قصد سوريون من مختلف المناطق القصر الجمهوري ليروا بيت الأسرة التي استطاعت احتكار الحكم لأكثر من 50 عاما أصبح قصر المهاجرين وقصر تشرين مكانين للسياحة والتصوير والتقاط الصور وتسجيل الفيديوهات لتكون شاهدة على انتصار الشعب على الجلاد وانقلاب الآية على الحكم وأضحت غرفة نوم القائد محطة لا بد لمن يزور دمشق أن يمر بها ويطلع على ذكريات القائد السفاح إضافة إلى ذلك يعزز الانتقال من محافظة إلى أخرى شعور الانتماء إلى الثورة عند السوريين أنفسهم فيشاركون بعضهم الاحتفالات بالنصر في الساحات وينتقلون من مستوى الطائفية والمناطقية إلى مستوى السوري الحر هكذا يرى السوريون اليوم صورة مختلفة لإدلب ويرون الجامع العمري في درعا الذي شهد انطلاق أول تظاهرة في البلاد ويشاهدون ساحة الساعة في حمص التي كان اعتصامها في إبريل نيسان عام 2011 شاهدا على بطش جهاز أمن نظام الأسد ووحشية شبيحته ويرونها موحدة من دون حواجز وكتل إسمنتية تفصل بينهم أما النموذج الثاني فهو خارجي فيه من الأهمية ما فيه بحكم مفاهيم القوة الناعمة وإعادة توسيم سورية بعد سقوط الأسد Rebranding Syria بعد زيارة بعض الرحالة العرب من الجيل الشاب إلى البلاد الذين يتابعهم ملايين المستخدمين عبر المنصات وتسجيلهم فيديوهات احتفال مع السوريين بالاحتفال بنصر أغر تحكي هذه الزيارات السياحية قصة سورية تحت حكم نظام الأسد المخلوع ويشاهدها ملايين المستخدمين من الجيل الأهم حاليا وهو جيل زد يوضح سياق الثورة السورية التي بدأت باحتجاجات سلمية تطورت إلى معارك وعمليات عسكرية دامية الإمكانات الكبيرة للبلاد فبعد انتهاء الصراع يمكن أن تلعب هذه السياحة دورا حيويا في إعادة إعمار سورية وتعزيز المصالحة الوطنية والحفاظ على ذاكرة الثورة من خلال توليد الإيرادات وتعزيز التضامن المحلي والدولي الذي يكمن في إحياء الاقتصاد المحلي وحماية التراث الثقافي للثورة والمناطق الثورية وحفظ الشهادات الحية على ظلام حقبة آل الأسد يواجه هذا النمط من السياحة في سورية مجموعة من التحديات التي تهدد أهدافه النبيلة وتتمثل في التجارية المفرطة وتسليع المعاناة وتحويلها إلى محتوى بياع وتسطيح التجربة الثورية وتضارب المصالح مع الحفاظ على الأصالة التاريخية للمواقع وشهادات الناس المحليين ويمكن الحديث هنا أيضا عن استغلال المحتوى الذي قد يؤدي إلى تزييف الروايات وانتحال الهوية واستغلال الصور وانعدام الأمن الذي يشمل تهديدات بالخطف وحالات فردية تشمل العنف المسلح والجريمة لتجاوز هذه التحديات يجب وضع ضوابط صارمة على التجارة والتحقق من صحة الروايات وحماية حقوق الضحايا والمغيبين قسريا وتعزيز الأمن وتوعية الزوار بأهمية هذا المحتوى باعتباره وثائق تأريخية