مع فوز دونالد ترامب تعود السعودية إلى صدارة المشهد الإقليمي على الأقل فهي الجائزة الأكبر والأثمن التي كان يعول ترامب في ولايته الأولى ومن بعده جو بايدن على تقديمها لإسرائيل غير أن طوفانا لم يتحسب له اللاعبون الكبار أطاح كل حلم بشرق أوسط طيع ومطيع وقد أغفلوا عن قصد وفائض غباء أن الحجر في مكانه قنطار وأن القفز من فوق الفلسطينيين وهم جوهر اللعبة ومعناها الكبير من شأنه دائما أن يهدم المعبد على رؤوس ساكنيه قبل أيام قليلة من طوفان الأقصى وتحديدا قبل أربعة أيام وحسب كانت السعودية تستقبل وزير الاتصالات الإسرائيلي شلومو كرعي وقبله بأيام قليلة أيضا كان حاييم كاتس وزير السياحة في حكومة نتنياهو في الرياض وصحيح أنهما كانا مشاركين في مؤتمرين نظمتهما وكالات تابعة للأمم المتحدة للبريد والسياحة وصحيح أنهما وزيران هامشيان لكنهما كانا يمهدان الطريق نحو الصفقة الكبرى التي كان بايدن يأمل أن ينجزها لكن حجرا صغيرا أهمله البناؤون والمؤتمرون في غير عاصمة وبلد أعاد اللعبة إلى قواعدها الأصلية والحقيقية فلا سلام ولا أمن في هذه المنطقة اليوم وغدا ما لم يحصل الفلسطينيون على الحد الأدنى من حقوقهم ماذا كان على السعودية أن تفعل وهي تراقب تلك الصور المذهلة لمقاتلين بأسلحة بدائية بثياب فقيرة وبأحذية رياضية مستعملة يقتحمون ذلك الجدار النفسي المرتفع جدا عند البعيدين والمراقبين فيسيطرون ويأسرون ويعودون بغنيمة حرب ثمينة والأكثر أهمية سلب إسرائيل زمام المبادرة في الحروب بل سلبها أيضا قوة الردع نفسه فمن يستيقظ صباحا ويجد نفسه عاجزا عن حماية باحته الخلفية كيف له أن يكون العصا الغليظة في المنطقة التي يخشاها الجوار بل يتملق رعاتها ويسعون إلى خطب ودهم إما بذريعة التمدد الإيراني أو لأسباب داخلية ليس مجالها هنا كان على السعودية أن تتخذ القرار وتخلص إلى النتائج ويبدو أنها فعلت وأصابت لذلك بادرت على طريقتها المتحفظة والمتكتمة بفرملة قطار التطبيع السريع قصدها جاريد كوشنر صهر ترامب بعد نحو 20 يوما من الطوفان ولولا تصريحاته لما علم بالزيارة أحد وتحدث آنذاك أن السعودية ما زالت مهتمة بالتطبيع وقال ما هو أسوأ وما لا يمكن أن يقبله صانع القرار السعودي وتحديدا في ذلك الوقت الذي كانت إسرائيل قد بدأت فيه حرب إبادة غير مسبوقة على قطاع غزة قال إن السعوديين ويقصد الشعب مهتمون بالفلسطينيين ولذلك فإنهم يرغبون في أن تنجز إسرائيل مهمتها للتأكد من القضاء على حماس والنخبة السعودية الحاكمة انتابها غضب كبير من ذلك الصغير ذي الشعر المصفف جيدا الذي استقبلته الرياض بدالة صهره لا لسبب آخر وهو يتحدث بالنيابة عن شعبهم والأسوأ الإيحاء بأن الرياض توافق على إبادة شعب شقيق فما بالك بالإيحاء بأن السعودية تسوغ القضاء على حركة حماس وفي هذا الوقت فما لا ترضاه السعودية وهي دولة وليست فرقة رقص أن تستخدم ويتحدث باسمها وعلى لسانها في شأن داخلي وآخر إقليمي بالغ التعقيد حتى لو لم تكن تؤيد حماس أو سواها فما هكذا تورد الإبل هناك هذا لا يعني أن السعودية تقف على يسار الدول في العالم أو تقود حركة تمرد على الولايات المتحدة وإسرائيل بل يعني أنها دولة تعي دورها وحجمها ومصالحها وعليه فإنها وإن بدت طيعة في هذا الملف أو ذاك فإن هذا إذا حدث في الماضي لا يمكن أن يستمر حين تصل اللعبة إلى ذروة عاصفة قد ترمي السعودية كلها بثقلها ورأسمالها الرمزي في أحضان الآخرين وهم هنا نتنياهو وخططه التوسعية والولايات المتحدة التي تظن أن الكعبة مزار سياحي وأن حكام المنطقة مجرد دراويش بعمائم ينتمون إلى القرون الوسطى ويبحثون عن الحماية بأي ثمن والأمور ليست كذلك حتى لدى أكثر دول المنطقة ارتباطا بواشنطن وكرها لتيارات الإسلام السياسي لذلك كله أوقفت الرياض لعبة كوشنر وسواه وهؤلاء كثيرون من بلينكن إلى سوليفان بل وفعلت ما هو أكثر رمزية فقد استقبلت فوز ترامب بمزيد من الانفتاح على إيران فثمة أوراق كثيرة على الطاولة ومن الحكمة الاحتفاظ بها قبل الجلوس إلى طاولة المفاوضات أو سواها