السجون السياسية والمصالحة الوطنية نحو بداية طريق السلام

يمنات
عبدالفتاح الصناعي
في زحام التصريحات والمواقف والردود المتبادلة، تتوارى أحيانًا القضايا الإنسانية خلف الجدران العالية للصراع السياسي والإعلامي، فيصبح صوت الضحية هامشيًا، ويضيع الحق بين الاتهام والدفاع. ومن بين أكثر الملفات التي ظُلمت بالصمت والتوظيف والتجاهل، يأتي ملف السجون السياسية والمخفيين قسرًا، الذي يجب أن يكون على رأس أولويات كل من يسعى إلى السلام الحقيقي في اليمن.
دعونا نُخرج هذا الملف من دوائر الشخصنة وردود الفعل، ونتعامل معه كقضية وطنية بامتياز، لا تحتمل المماطلة أو التوظيف السياسي. بعيدًا عن ما قاله علي البخيتي أو غيره، وبعيدًا عن محاولات التخوين أو التبرير، فإن ملف السجون السياسية ليس شأنًا هامشيًا، بل هو أحد الجروح العميقة التي تنزف في جسد هذا الوطن، ويجب معالجته بوعي ومسؤولية.
من المؤلم أن يظل هذا الملف رهينة المناكفات بين الأطراف المختلفة، بينما يعاني المئات – وربما الآلاف – من أبناء هذا الوطن خلف القضبان أو في مصير مجهول، لا تعلم عائلاتهم إن كانوا أحياء أم أمواتًا. خلف كل سجين سياسي، هناك أم تنتظر، زوجة تبكي، وأطفال ينشأون في غياب الأب. وهذه ليست “تفاصيل عاطفية”، بل جوهر القضية الإنسانية والأخلاقية التي يُفترض أن يتوحد حولها الجميع.
نحن اليوم أمام خيارين لا ثالث لهما:
إما أن نستمر في الدوران في دوامة اللاسلم واللاحرب، ونتوه في صراعات صغيرة تستنزف ما تبقى من أمل؛
أو نبدأ بخطوات جادة، بسيطة ربما، لكنها ضرورية، نحو سلام حقيقي وشامل، تبدأ من الاعتراف بآلام الآخرين والعمل على معالجتها.
وإذا أردنا أن نتحدث عن مصالحة وطنية، فعلينا أن نبدأ من العدالة الانتقالية، من إنصاف الضحايا، من الاعتراف بالأخطاء، ومن إطلاق سراح المعتقلين السياسيين أو الكشف عن مصير المخفيين قسرًا. هذه ليست تنازلات، بل واجبات وطنية وإنسانية.
إن المسؤولية اليوم لا تقع فقط على عاتق السياسيين، بل تشمل أيضًا الإعلاميين، والحقوقيين، والمجتمع المدني، وكل من يحمل ذرة من ضمير. نحن بحاجة إلى أصوات وطنية عاقلة، تخرج من ضجيج المعارك وتعمل بإخلاص على تشكيل فرق مستقلة ووطنية
ارسال الخبر الى: