السجاد الأحمر الصيني مفروشا لقيس سعيد

١٣٤ مشاهدة
أنهى الرئيس التونسي قيس سعيد في 1 يونيو حزيران الحالي زيارة دولة دامت أربعة أيام إلى الصين تخللتها مشاركته ضيف شرف في الجلسة الافتتاحية للاجتماع الوزاري العاشر لمنتدى التعاون العربي الصيني في بكين بحضور الرئيسين المصري والإماراتي وملك البحرين ورئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية لقي الرئيس التونسي حفاوة لافتة من الرئيس الصيني شي جين بينغ الذي أقام على شرفه مراسم استقبال رسمية وفرش له السجاد الأحمر خلال مختلف مراحل الزيارة تبدو زيارة سعيد في ظاهرها وهي المشبعة بالجوانب البروتوكولية والرمزية والاجتماعات البينية ذات أهمية قصوى فقد افتتحت باستقبال رسمي على أنغام النشيدين الرسميين للبلدين وتنظيم اجتماع للرئيسين والوفدين المرافقين تلت ذلك مأدبة غداء على شرف رئيس الجمهورية التونسية وحرمه بحضور الرئيس الصيني وحرمه كما تضمنت الزيارة وضع إكليل من الزهور على النصب التذكاري لأبطال الشعب الصيني في بكين وتنظيم جلسة عمل مع الوزير الأول الصيني ولقاء رئيس اللجنة الدائمة للمجلس الوطني لنواب الشعب الصيني وزيارة مقري شركة هواوي العملاقة ومكتبتها المركزية التي أهداها سعيد أعمالا تونسية ذات مكانة تاريخية على غرار تاريخ ابن خلدون ومقدمته وكتاب العمر في المؤلفات والمصنفين التونسيين للمؤرخ حسن حسني عبد الوهاب ومؤلفات الوزير والأديب محمود المسعدي وأنهى جولته بالتوجه إلى مقر الشركة الصينية BYD المتخصصة في صناعة وسائل النقل البري بالطاقة الكهربائية وبالطاقات الهجينة أما في ما يتعلق بمخرجاتها فقد كانت الزيارة محدودة النتائج اقتصرت على توقيع مجموعة من مذكرات التفاهم بشأن إنشاء فريق عمل للاستثمار وتقوية التعاون الإنمائي والنهوض بتفعيل مبادرة التنمية العالمية وفي مجال التنمية الخضراء ومنخفضة الانبعاثات الكربونية ومذكرة بين التلفزة التونسية ومجموعة الصين للإعلام كما وقع اتفاق تعاون بين الإذاعة الوطنية التونسية والهيئة الصينية للإذاعة والتلفزيون وآخر بين وكالة تونس أفريقيا للأنباء ووكالة أنباء شينخوا الصينية محدودية مذكرات التفاهم الموقعة وضعفها وفقدانها الجدوى والأهمية متأتية كذلك من غموض بعضها وعدم تفصيل القول فيها واقتصار بعضها الآخر على قطاع الإعلام الحكومي فقد كان على سعيد أن يصحب في زيارة الدولة التي أداها إلى الصين رؤساء الشركات المهمة من القطاعين العام والخاص لعقد الصفقات الاستراتيجية والمشاريع الكبرى التي تحتاجها تونس في هذه المرحلة بدلا من الاقتصار على فريق عديم الجدوى الاقتصادية والتخطيط والاستشراف الاستراتيجي يتكون من وزيري الخارجية والتجهيز وثلة قليلة من مستشاريه وكان عليه أن يحمل في حقيبته الدبلوماسية خريطة طريق تنموية علاماتها ورواسيها مشاريع عملاقة تبحث عن تمويل أو عن شركات بحجم الشركات الصينية لإنجازها وهو الذي تحدث كثيرا عن القطار السريع الذي يرغب في إحداثه ويربط مدينة بنزرت في الشمال التونسي بمدينة تطاوين في أقصى الجنوب وعن المدينة الصحية بولاية القيروان محدودية مذكرات التفاهم الموقعة وضعفها وفقدانها الجدوى والأهمية متأت من غموض بعضها وعدم تفصيل القول فيها واقتصار بعضها الآخر على قطاع الإعلام الحكومي كان على الرئيس سعيد أيضا وانطلاقا من مبدأ استمرار الدولة ألا يتجاهل مذكرات التفاهم التي وقعها رئيس الحكومة يوسف الشاهد وبعض وزرائه مع الطرف الصيني عام 2018 على هامش القمة الأفريقية الصينية أو في أثناء المنتدى الدولي للاستثمار بتونس وقد جاءت في سياق إعلان انخراط تونس في طريق الحزام والطريق فهي أكثر واقعية وقابلية للإنجاز وجدواها الاقتصادية والمالية مؤكدة ومن أهم المذكرات التي وقعت آنذاك مذكرة تفاهم لإنجاز ثلاث دراسات جدوى فنية واقتصادية لمشاريع تبرورة بمدينة صفاقس والمدينة الإدارية ومترو مدينة نابل ومذكرة تفاهم ثانية لإنجاز الخط الحديدي السريع طبرقة تونس رأس جدير وأخرى ثالثة تتعلق بإنشاء المدينة التجارية الصناعية في ميناء جرجيس التجاري وتطوير هذا الميناء وجعله نقطة وصل مع ليبيا والجزائر وأفريقيا جنوب الصحراء وإنشاء خط حديدي يصل الميناء بمدينة قابس مرورا بمدينة مدنين التي سيقع ربطها بجزيرة جربة السياحية عن طريق جسر آجيم الجرف لم تر تلك المشاريع النور فقد عرقلت وجعلت مجرد حبر على ورق من قوى نافذة داخلية وخارجية لها مصلحة في إبعاد الصين عن لعب دور اقتصادي أو مالي في تونس رغم بلوغ بعضها مرحلة استكمال الدراسات الفنية ولكنها لم تكن من ضمن أولويات الرئيس سعيد ولم تدرج في جداول أعماله فهي ترمز إلى ما أصبحت تسمى العشرية السوداء التي يرغب سعيد في محو آثارها وكل ما يمت لها بصلة من الذاكرة الوطنية والجماعية للتونسيين وغير التونسيين ومثالا على ذلك تحدث الرئيس سعيد في أثناء زيارته المكتبة الكبرى لشركة هواوي عن الإرث الدستوري التونسي منذ دستور قرطاج وحتى دستور 25 يوليو 2022 الذي خطه بيمينه من دون مشاركة من أي كان متناولا ما سماه دستور القرن السابع عشر وهو دستور وهمي غير موجود فالأمر يتعلق بدفتر جبائي ودستور 1861 الذي وضعه محمد الصادق باي ونظيره لعام 1959 المنسوب إلى الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة ولكنه قفز عن دستور الثورة التونسية لعام 2014 وتجاهله ولم يشر إليه ألبتة متناولا نص 2022 بالشرح والتفسير رغم أن لدستور 2014 الفضل في نشأة الديمقراطية التونسية التي مكنت قيس سعيد من الترشح والوصول إلى الرئاسة عام 2019 وحكم تونس خمس سنوات سيكون موفاها يوم 23 أكتوبر تشرين الأول المقبل سوقت الزيارة تحت عنوان الدفاع عن السيادة الوطنية واستقلال القرار الوطني وفتح شراكات استراتيجية خارج روابط تونس التاريخية وغير بعيد عن مكان عزف ألحان أغنية تحت الياسمينة في الليل من الفرقة الصينية خلال استقبال قيس سعيد من نظيره الصيني في 31 مايو كان رؤساء 84 شركة صينية عملاقة من مختلف المجالات يعملون على إبرام عقود استثمارية في ليبيا ويتسابقون لالتقاط الصور التذكارية مع رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد الدبيبة على هامش انعقاد أعمال الملتقى الاقتصادي الصيني الليبي الأول سيقول بعضهم لا يجوز المقارنة بين ليبيا الغنية بثرواتها وهي مقبلة على عملية إعمار تتسابق الشركات العالمية للفوز بمشاريعها الإنمائية وإعادة البناء وتونس التي تعيش حالة ركود اقتصادي مزمن وأزمة مالية متفاقمة لكن هذا القول لا ينفي عن زيارة سعيد الصين خلوها من اصطحاب أهل الذكر من رجال الأعمال والرؤساء والمديرين العامين للشركات العمومية لتنظيم لقاءات مع الشركات الصينية وإبرام العقود معها على قاعدة الاستثمارات الخاصة أو في إطار الشراكة بين القطاعين الخاص والعام ذلك أن أصحاب الشركات ورجال الأعمال وهياكلهم المهنية هم حجر الزاوية في زيارات رؤساء الدول إلى الخارج إذ يكون الاقتصاد والمال محتوى التفاهمات السياسية كافة عدم جدية ما عقد من تفاهمات وشراكات استراتيجية مع الجانب الصيني في مجال التنمية الخضراء ومنخفضة الانبعاثات الكربونية على سبيل المثال تتجلى في ما شهده قصر الحكومة التونسية بالقصبة قبل زيارة الرئيس سعيد إلى الصين بيوم من توقيع مذكرة تفاهم بين الجمهورية التونسية ومجمع الشركات الفرنسية توتال للطاقات TotalEnergies والنمساوية فاربوند Verbund والتي تتعلق بتطوير وإنجاز مشاريع للهيدروجين الأخضر في تونس وفق البيان المنشور في صفحة رئاسة الحكومة التونسية على فيسبوك مضيفا تهدف هذه الاتفاقية إلى تطوير وإنجاز مشروع لإنتاج 200 ألف طن من الهيدروجين الأخضر في مرحلته الأولى مع تركيز 5 جيغاواط من الطاقات المتجددة في أفق 2030 ومن المتوقع أن تصل الطاقة الإنتاجية إلى مليون طن سنويا في المرحلة النهائية للمشروع هذا وتبلغ قيمة استثمارات المشروع حوالي ثمانية مليارات أورو في المرحلة الأولى و40 مليار أورو في مرحلته النهائية وهذا الاتفاق كاف لإعطاء الدليل على أن تونس ما زالت أسيرة شراكاتها التقليدية وهي لا تخلو من طابع هيمني وأسر استعماري مع الاتحاد الأوروبي الذي سيكون المستفيد الأول من وراء تلك البرامج ذات الانعكاسات البيئية الخطيرة على تونس وأن ما يروج من تنامي نزعة وطنية سيادية يقودها الرئيس سعيد وترمز إليها زيارته إلى الصين هو مجرد شعار للاستفادة من الصعود الصيني تحتاج تونس ترجمة المساندة الشعبية إلى اتفاقيات ملزمة يصادق عليها برلمان يتمتع بمشروعية شعبية لقد أفضت زيارة سعيد إلى الصين رغم طابعها الاستعراضي الغالب ومنحاها الاحتفالي البين وضعف نتائجها الاقتصادية إلى بيان ختامي سمته الرئيسية وفق ما ورد في نقطته الأولى تجديد الجانب التونسي التزامه بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 2758 الصادر في 25 أكتوبر تشرين الأول 1971 الذي يكرس مبدأ الصين الواحدة ويقر بشرعية حكومة جمهورية الصين الشعبية كممثل شرعي وحيد للصين بأكملها وبأن تايوان جزء لا يتجزأ من الأراضي الصينية ويدعم ممارسة الصين لسيادتها على كامل أراضيها وجهودها المبذولة لتحقيق وحدة البلاد والدفاع عن مصالحها الجوهرية ويدعم موقف الصين في رفضها لأي تدخل أجنبي في المسائل الداخلية المتعلقة بهونغ كونغ وشينجاينغ والواقع أن هذا الموقف المؤيد للصين الواحدة لا يحسب للرئيس سعيد فقد سبقه إليه الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي وفق مقال وجود الصين في تونس أي مدى وصل وإلى أين يتجه المنشور في موقع معهد واشنطن في السادس من إبريل نيسان 2023 يتعرض المقال أيضا إلى الخشية الأميركية من العلاقة التونسية الصينية التي تأسست رسميا في عام 1964 ولكنها تعود بصفة غير مباشرة إلى اليوم الثاني من أغسطس آب 1957 تاريخ إرسال الزعيم الصيني ماو تسي تونغ برقية تهنئة للرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة بمناسبة تولي الرئاسة وإعلان الجمهورية لقيت زيارة سعيد إلى الصين قبولا شعبيا وإشادة من الرأي العام التونسي في موجة تأييد واسعة اكتسحت مواقع التواصل الاجتماعي رافقتها نقاشات ومتابعات دقيقة من وسائل الإعلام التونسية فقد سوقت الزيارة تحت عنوان الدفاع عن السيادة الوطنية واستقلال القرار الوطني وفتح شراكات استراتيجية خارج روابط تونس التاريخية ومعاهداتها مع القوى الغربية التقليدية مثل اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي لعام 1995 ومذكرة التفاهم مع الولايات المتحدة لعام 2015 التي تجعل من تونس حليفا من خارج حلف الناتو وهي نصوص لم يبادر سعيد إلى مراجعتها أو إلغائها مقابل الشراكة الاستراتيجية التونسية الصينية الجديدة فلا يمكن الدخول في شراكات متعددة مع أقطاب وقوى دولية متناقضة ومتصارعة إلى درجة الحرب الباردة كما هو الشأن في العلاقة الأميركية الصينية بسب الموقف من تايوان ويعود التأييد الشعبي التونسي المساند للزيارة الرئاسية إلى ما يستبطنه التونسيون من فكر إيجابية حول جمهورية الصين الشعبية فهذه الدولة غير مثقلة بإرث استعماري أو بعدوان إمبريالي أو بحروب وبقتل لملايين البشر على غرار ما فعلته فرنسا في الجزائر 1830 1962 والولايات المتحدة في العراق 1991 2003 هذا زيادة على نصرتها للقضايا العادلة وقوى التحرر الوطني وخاصة القضية الفلسطينية وتدخلاتها التنموية الناجعة في أفريقيا وآسيا وأوروبا فكلما أنجز مشروع عملاق في مكان ما من العالم كانت الصين من وراء إنجازه وللاستفادة من الصعود الصيني تحتاج تونس ترجمة المساندة الشعبية للانفتاح على التنين الصيني إلى عقد اتفاقيات ملزمة يصادق عليها برلمان يتمتع بمشروعية شعبية ومصداقية ويدعم برنامجا حكوميا جديا متعدد المراحل لبناء تونس الجديدة خارج مقاربات الهيمنة التقليدية وبعيدا عن الشعارات المضللة ولعبة الأضواء الحارقة وإغواء السجاد الأحمر

أرسل هذا الخبر لأصدقائك على

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2024 يمن فايب | تصميم سعد باصالح