السؤال الكبير ذو الأذنين الطويلتين
تختلف التعابير بين تخوين وتسخيف وتكذيب، يداخلها أحياناً شعور مضاعف بالخذلان، أو بالاستنكار، الاستغراب، الدهشة. لكنها تلتقي جميعاً على أنها أحكام قطعية، مفرطة القسوة، نهائية التقييم.
هذا ملخّص تنفيذي لمعظم ما يقوله السوريون عن بعضهم، سواءً ما يخرج من بين الشفاه، او من مفاتيح الكومبيوتر والموبايل.
لا أحد يعجب أحداً، وآراء الجميع موضع انتقاد حادّ ودموي، من ظهروا على السطح الآن ظهروا كمادة للسخرية أو للشتم، ومن كانوا نجوماً ثقافية وفنية وسياسية ذات يوم صاروا مشتمةً لأي عابر سبيل. يستطيع أي أحد أن يقول أي شيء عن أيٍ كان.
والمشكلة أن هذه الظاهرة ليست مجرّد موجة تنمّر شاعت حتى صارت صفة عامة لشعب كامل، ولا حفل تشاتم جماعي قد ينتهي في آخر الليل. بل إنك تشعر، في أحيانٍ كثيرة، بأن الانتقاد محق، وقد تعترض فقط على قسوة الأسلوب.
بشيء من الهدوء، وبمحاولة لـ التماس عذر لأخينا لا أجد تفسيراً لهذا الاضطراب إلا بالحجم المهول للسؤال السوري.
فكل تفصيل يتعلق بالشأن العام السوري، يطرح مدوياً كجبل في بحيرة، يلقى بها مصحوباً بألف تفصيل وعامل محيط به ومتداخل معه. ويرسم من الدوائر ما يتوسع ويتوسع حتى يغطي البحيرة كلها بدوامات من ردات الفعل.
تعقيد الحالة السورية، يحتّم على أي شخص (سيّما إذا كان سورياً) أن يرتكب خطأً فادحاً في القراءة أو التقييم أو تحديد الموقف.
أتساءل أحياناً: كلنا نبدو مضطربين ومرتبكين، وكلنا نبني مواقف سرعان ما يتبين خطؤها، فهل نحن جميعاً قاصرون مشوّهو المنطق؟ هل نفتقد جميعاً للحسّ العقلي السليم بالأشياء؟ هل نفتقر إلى البنية العقلية والأخلاقية لتقييم الأشياء كما يجب؟
لا يمكن أن نكون كذلك، ولا يمكن لشعب في الدنيا أن يكون كذلك. والقصة غالباً تقع في الموضوع نفسه. وهو هنا الحالة السورية بتعقيداتها الكثيرة. وهي على ما يبدو مسألة أكبر من قدرة العقل البشري على المعالجة. وفيها من التفاصيل والتداخل بين الحقيقي والمزيف، بين السطحي والعميق، العابر والثابت، ما لا يتناسب مع الطبيعة البشرية، والتي اعتادت التعامل مع معادلات بعدد
ارسال الخبر الى: