للمرة الثانية بعد ملف الترسيم البحري بين لبنان وإسرائيل في أكتوبر تشرين الأول 2022 يحضر الأميركيون في بيروت وهذه المرة في السياقات العسكرية في إحدى مسودات الاتفاق المطروح لوقف العدوان الإسرائيلي على لبنان تم التطرق إلى دور الأميركيين العسكري خصوصا في إطار مراقبة وقف إطلاق النار عبر إشراف مباشر من القيادة المركزية الأميركية سنتكوم ومع أن لا اتفاق بعد في المدى المنظور لإنهاء الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان غير أن الإشارة إلى حلول الولايات المتحدة ضامنا أول لأي اتفاق ينهي القتال أمام الأمم المتحدة على سبيل المثال يطرح مجموعة من التساؤلات عن مدى استعداد الأطراف اللبنانية الداخلية لتسليم راية الوصاية على لبنان إلى الولايات المتحدة تاريخيا لم يتمتع لبنان باستقلالية فعلية سواء في عهود ما قبل لبنان الكبير في عام 1920 أو بعده وبعد استقلال 1943 دائما ما تكون هناك قوى مجاورة أو بعيدة قادرة على الإمساك بالقرار اللبناني انطلاقا من اللعب على التناقضات الطائفية والمذهبية في البلاد التي يجيدها اللبنانيون أيضا وإن لحسابات مصلحية فردية أكثر مع العلم أن حجة صغر مساحة البلاد تبقى مصطنعة لتأكيد تغييب القرار الداخلي الموحد ذلك لأن من أبسط أسس الاتحاد هو التفاهم الداخلي على إدارة الاختلاف عبر القبول بمبادئ الربح والخسارة في السياسة في إطار سقوف محددة من قبيل الانتماء الوطني وعدم الاستعانة بالخارج للاستقواء على الداخل وعدم اعتقاد أي طائفة أنها أفضل من غيرها ذلك كله كان يمكن معالجته بحوار داخلي شامل لم يحصل هذا طيلة حياتنا السياسية علما أنه في المفهوم الاجتماعي تعايش اللبنانيون بشكل غريب أي عكس ما قد يراه أحدهم من الخارج وبدلا من البناء على هذا التعايش روج عناق رجال دين مسيحيين ومسلمين أنه تعايش فيما أكثرية هؤلاء يظلون أكثر المستفيدين من أي خلافات طائفية بالتالي فإن مفهوم الوصاية بات عرفا في لبنان ولأن العرف بقوة القانون فإن الوصاية الأميركية الآتية التي أعلنت نفسها بترسيم بحري في أكتوبر 2022 بمباركة رؤساء الجمهورية والحكومة والبرلمان اللبنانيين مع باقي القوى السياسية وفي مقدمتهم حزب الله باشرت التمهيد لخطوتها بالتبشير بمزايا اقتصادية مرتقبة للبنان بعد وقف الحرب الإسرائيلية عليه تكفي الإشارة فقط إلى ما تم تداوله من أفكار لدى الإدارة الأميركية بعد توسع نطاق العدوان الإسرائيلي بدءا من 23 سبتمبر أيلول الماضي تحدث مسؤولون أميركيون عن إصلاحات وانتخابات لرئاسة الجمهورية في لبنان وذلك قبل أن تضع الحرب أوزارها وحتى قبل التأكد من هوية الفائز بالرئاسيات الأميركية الثلاثاء المقبل تحرك الأميركيون على قاعدة أن الصورة لقيادة لبنان اكتملت على أن يبقى وقف الحرب فقط الأكثر أهمية أن العلاقة الأميركية مع حزب الله ليست مثل علاقة واشنطن مع أطراف موالية لإيران في المنطقة مثل الحشد الشعبي والحوثيين الأميركيون في لبنان أكثر انخراطا مع بيئة حزب الله تحديدا حملة الجنسية الأميركية كما أن الحزب تبادل الخدمات مع الأميركيين سواء في مسألة الإفراج عن مسؤول معتقل الخيام عامر الفاخوري كان في جيش لحد العميل لإسرائيل أو في منع أنصاره من التوجه إلى السفارة الأميركية الواقعة في عوكر شمالي بيروت للاحتجاج على العدوان الإسرائيلي على غزة في أيامه الأولى أكتوبر 2023 مكتفيا باعتصامات في مناطق نفوذه في الضاحية الجنوبية لبيروت صحيح أن الوضع اختلف عما قبل 7 أكتوبر 2023 لكنه يبقى في جوهره محوريا الأميركيون عكس جميع القوى الدولية والإقليمية تقريبا لا يتعاملون مع أي بلد بنسق طائفي بل في سياق سحب الأقوياء إلى جهتهم وفي حالة لبنان سحب أبطال الطوائف إليهم وهو أمر قد يحتاج إلى بعض الوقت قبل حصوله الرئيسان نبيه بري ونجيب ميقاتي يعلمان ذلك