الرواية معمل للحرية
تبحث الرواية عن الحقيقة، في مشوارها بين البشر وعبر الحياة، يمكن التعريف بهذه المهمة بكل اطمئنان، بأنها ليست مهمة عسكرية، ما تضعه بحسبانها أن تجعل فكرة الحرية ممكنة عملياً، الرواية اختبار لها، من هذا الجانب يمكن القول: إنها معمل للحرية. لا أحد يُملي على الروائي أسلوباً ما، ولا تُحدّ الرواية بقوالب جاهزة. خيارها لا إلزام بمنهج ولا طريقة، وهي خبرة تشكلت من خلال تاريخها. بالمقابل، الحرية تمنح الرواية طاقتها الكامنة والكاشفة، ما يجعل منها عملاً فنّياً، فكل قراءة لرواية عظيمة هي كشف جديد، طالما أنها مغامرة في المجهول، في الأعماق، في المسكوت عنه.
من وظائف الرواية، معارضة الأحادية، والانفتاح على الاختلاف، وعدم إغفال التوتر بين وجهات النظر. فالروائي لا يُقدِّم أطروحة جاهزة، ولا يُمارس دور المُبشِّر أو الداعية، إنه مُتأمل، يُقدّم وجهات نظر متباينة عبر شخصياته، دون أن يحكم عليها. ما يجعل الرواية منفتحة على قراءات كثيرة، وعلى مستويات عديدة من الفهم، وهو ما يُتيح للقارئ أن يرى العالم من زوايا متنوعة. هذا التعدد هو الذي يجعل الرواية فنّاً كاشفاً، يسائل السلطة، ويفكك الخطاب الرسمي، وظهور الآخر والمهمّش. في هذا السياق، تغدو الرواية ساحة للاشتباك مع الواقع عبر الأدب، لا عبر الخطابة أو التقرير السياسي.
لا تدّعي امتلاك الحقيقة بل تُضيء طرائق البحث عنها
تسعى الرواية إلى بناء سرد يقاوم الخطاب المبني على الأيديولوجيات المغلقة، لئلّا يتحول إلى يقين مطلق. فالرواية ليست تقريراً عن العالم، بل محاولة لتفسيره، وهي بهذا المعنى لا تدّعي امتلاك الحقيقة، بل تُضيء طرائق البحث عنها، وتدعو القارئ ليخوض التجربة معها.
لا يتّخذ الروائي موقعاً خارجياً محايداً، بل ينغمس في العالم الذي يخلقه، ويُعيد صياغة الواقع لا بوصفه نقلاً مباشراً، بل باعتباره بنية، وإن كانت حاضرة، قابلة لإعادة التشكيل. إنه لا يكتب من موقع العارف، بل من موقع المتسائل، الذي يتتبّع أثر المعنى وسط الظلام، ويعيد تفكيك ما نظنه ثابتاً أو يقينياً. الحقيقة التي يسعى الروائي إلى اكتشافها ليست علمية أو منطقية بالمعنى الضيق، بل هي
ارسال الخبر الى: