الخيال المستبد صناعة الطغيان بسطوة الخيال المسموم سعيد ثابت سعيد
32 مشاهدة
ليس السجن ولا القبضة الحديدية ما يصنع الطغاة والمستبدين إنما هي النظرة الأحادية الضيقة إلى العالم تلك التي تجعل الحاكم لا يرى في مرآة الواقع سوى انعكاس ذاته فيتوهم أن صوته هو الحقيقة المطلقة في هذا السياق يبدو لي أن المؤرخ الماركسي البولندي إسحق دويتشر قد جانبه الصواب حين عزا دموية ستالين إلى افتقاره للخيال معتبرا هذا التفسير كافيا لفهم طغيانه غير أن دروس التاريخ تكشف لنا حقيقة أعمق الاستبداد ينبع من الكيفية التي يوجه بها هذا الخيال ومن فقدان الضمير الذي يضبط مساره ويمنعه من الانحراف وليس من غياب الخيال ففي كل مستبد حكاية تبدأ من لحظة عجزه عن تخيل الآخر ندا مساو له في الإنسانية الزعماء المستبدون أمثال هتلر وماو وستالين والخميني وغيرهم من الأشباه كانوا يمتلكون خيالات واسعة لكنها كانت مسمومة مغلقة ترى التعدد خطرا وتهديدا إذ يصبح الخيال عندهم أداة لإعادة تشكيل الواقع وفق صورة الذات المتضخمة لا أفقا لفهم الآخرين تجربة الخميني مثال صارخ إذ قاد ثورة بشعارات العدالة والحرية والدفاع عن المستضعفين لكنه حين أمسك بزمام السلطة أسس نظام ولاية الفقيه الذي صادر الحريات باسم الدين الخيال الديني الذي كان يفترض أن يكون جسرا للعدل تحول إلى سياج مذهبي وطائفي يخنق التعدد ويحول الدولة إلى أداة قمع مقدسة أزعم أن الاستبداد في جوهره أزمة ضمير قبل أن يكون أزمة خيال حين يفقد الحاكم القدرة على تخيل الآخر ندا إنسانيا له يتحول خياله إلى سلاح للهيمنة والإخضاع ووسيلة لإقصاء المختلف وتهميشه وربما محاولة محوه كان إسحق دويتشر في كتابه ستالين سيرة سياسية محقا في ربط ضيق أفق ستالين بخياره الاستبدادي لكنه أخطأ حين اختزل الطغيان في عامل ثقافي نفسي فالطغيان يولد من رحم بنى اجتماعية مريضة ومن إرث قمعي يتغلغل في الثقافة السياسية ومن مؤسسات تعيد إنتاج الخضوع يصاب المستبد بالرعب والهلع عند رؤيته تعدد الألوان وتنوعها واختلافها لأن ذلك يهدد سيطرته على الصورة الوحيدة التي يعرفها صورته هو لذا تراه يسعى إلى توحيد كل شيء اللغة والثقافة والمذهب وحتى طريقة اللبس والتفكير في النهاية الخيال لا يدين أحدا ولا ينقذ أحدا بمفرده الفرق الجوهري يكمن في البوصلة الأخلاقية التي توجه هذا الخيال خيالا يرى الإنسان غاية يصنع الحرية أو خيالا يرى الإنسان وسيلة يصنع الاستبداد إن كل طاغية يبدأ من عجزه عن تخيل مساواة حقيقية مع الآخرين وهذا العجز هو بذرة الاستبداد والطغيان من صفحته على الفيسبوك