الخوف على التهدئة غطاء لاستمرار العدوان
وقف إطلاق النار: أدَاة لتعليق الجهاد ومقاومة الاحتلال وغطاء لاستمرار العدوان
في هذا المشهد المعقّد، يعتمِد الكيان الصهيوني خطابًا مزدوجًا يستند إلى مفارقةٍ مُتعمَّدة.
فمن ناحية، يُظهر تمسُّكًا ظاهريًّا بالاتّفاقات والسلام، ويحمّل الطرف الآخر – في جنوب لبنان وغزة – مسؤولية الحفاظ على الهدوء، ويتهمه بعدم الرغبة في العودة إلى الحرب.
ومن ناحية أُخرى، يتحَرّك عمليًّا في مسارٍ معاكس تمامًا: فهو لا يسعى لحماية السلام، بل يستغل التزام الطرف الآخر بوقف إطلاق النار ليقدّم نفسه للعالم وكأنه “مُجبَر” على الاستعداد للحرب، لكنه “مقيّد” بشروط الاتّفاق ووساطات الأطراف الدولية.
هذا التصرّف المُحكم في صياغة الرواية يهدف إلى إيهام المجتمع الدولي بأن الكيان الصهيوني رهين الظروف، في حين أن هدفه الخفي هو دفع الجميع – بما في ذلك الأطراف الإقليمية والوسطاء – إلى التشبّث المفرط بجهود السلام ووقف إطلاق النار، والتمسّك بأي وسيلة سلمية تجنّب العودة إلى القتال.
وهكذا، يحوّل التزام الآخرين بالسلام إلى غطاءٍ يسمح له بالتحَرّك بحرية، مستفيدًا من “درعٍ جماعي” صنعه بنفسه.
تحت هذه الحماية المتواطئة، ينطلق الكيان الصهيوني في تنفيذ عدوانه المتكرّر: يقتل، ويحتل، ويدمّـر – كما يحدث في لبنان وغزة.
فمنذ دخول اتّفاق وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ، سقط في غزة وحدها أكثر من 200 شهيد ومئات الجرحى.
ومع ذلك، يُقدّم هذا العدوان المتواصل على أنه “خروقات محدودة” أَو “انتهاكات متفرقة”، ليبرّر استهداف المدنيين وتدمير البنى التحتية والتوسّع في الاحتلال، دون أن يدفع ثمنًا سياسيًّا أَو عسكريًّا يُذكر.
وسرعان ما تتدخل الأطراف الدولية – ولا سيما الولايات المتحدة وحلفاؤها – لإعادة تثبيت وقف إطلاق النار، وطمأنة الجميع بأن “الهدنة ما زالت قائمة” و”الحرب لن تعود”، بينما يواصل العدوّ عدوانه بضوءٍ أخضر أمريكي.
وهكذا، يُختَزل العدوان المنهجي إلى حوادث منفصلة، ويُقدّم كردّ فعلٍ عفوي، لا كاستراتيجية ممنهجة تُنفَّذ بأوامر أمريكية، وتستغل الانقسامات القائمة لتثبيت نقاط احتلال جديدة على الأراضي اللبنانية، وممارسة القتل والتنكيل بلا رادع.
بكل برودةٍ ودهاء، ينسج الكيان الصهيوني استراتيجيته في ظل مشهدٍ دولي قابلٍ للاختراق
ارسال الخبر الى: