الخصوصية حق إنساني لا يسقط بالوفاة

٤٠ مشاهدة
منذ عدة سنوات شاركت في تدريب عن ضرورة حماية الخصوصية في المؤسسات الحكومية وفي اليوم الأول للتدريب طرح المدرب سؤالا تمهيديا ليستطلع آراء المشاركين بأهمية الخصوصية تنوعت الإجابات حينها فهناك من رأى أن من واجب الدولة ومؤسساتها الحكومية أن تحمي خصوصية مواطنيها لكونها تملك أكبر قدر من المعلومات عنهم ووقوع هذه المعلومات في الأيدي الخطأ سيعرض الكثير من الناس لمخاطر محتملة ورأى مشارك آخر أن المعلومات هي أهم أدوات الهاكر في العالم الإلكتروني اليوم فإذا ما استطاع معرفة البيانات البنكية لشخص ما بالإضافة إلى معلوماته الشخصية كعنوان السكن وتاريخ الميلاد وغير ذلك من المعلومات الخاصة قد يتمكن من اصطياد الشخص أو المقربين منه من خلال استخدام أساليب الهندسة الاجتماعية ومشاركة أخرى رأت أن الكثير من الشركات التجارية تخترق خصوصية زبائنها وتحاول الحصول على معلوماتهم الشخصية بغرض التسويق ما يعني أن الإنسان أصبح في قانون السوق الجديد سلعة وزبونا في الوقت نفسه تعددت إجابات المشاركين كثيرا بما يدل على أهمية الخصوصية ليس في الواقع النظري فقط إنما في الواقع العملي أيضا وعلى الرغم من أن كل الإجابات كانت مهمة بوضوح لم يصل أحد من المشاركين في إجابته في رأي المدرب إلى الأصل والجوهر في أهمية حماية الخصوصية وذلك طبيعي لكون كل واحد من المشاركين في التدريب يجيب من واقع خلفيته المهنية والتي تحوز معظم اهتمامه وكانت الإجابة الأهم بحسب المدرب بأن أهمية الخصوصية تأتي في الدرجة الأولى لكونها حقا أساسيا من الحقوق الإنسانية أما كل ما ذكر من إجابات فهي تفاصيل مهمة وتطبيقات عملية ناجمة عن عمليات تقييم وإدارة المخاطر التي تتبعها المؤسسات الحكومية وشبه الحكومية عادة في معرض إدارة مشاريعها وأعمالها اختلف بعض المشاركين مع المدرب إذ رأوا أن في ذلك مبالغة بعض الشيء في تقدير أهمية الخصوصية برفعها إلى مرتبة الحقوق الأساسية للإنسان وأنا أيضا اختلفت حينها مع إجابة المدرب واعتبرتها وجهة نظر جديرة بالاهتمام لكن ليس إلى درجة أن تكون حقا أساسيا موازيا لحق الحياة والحرية فأنا بطبيعة الحال مثلي مثل بقية المشاركين أرى من منظار واقعي المهني في الدرجة الأولى كما أنني أقارن أحيانا تلقائيا ما أعيشه وأختبره في هولندا بواقعي السوري فكان من الصعب علي هضم فكرة أن الخصوصية حق إنساني أساسي في الوقت الذي تنتهك فيه في سورية كل الحقوق الإنسانية المنصوص عليها في كل الشرائع والقوانين البشرية لو مت وقام أحد أصدقائي بنشر رسائلي معه على العام فإنه بذلك يؤذيني بانتهاك خصوصيتي لكن يحدث أحيانا أن تتعلم درسا نظريا في تدريب ما أو محاضرة فلا تعطي له بالا في وقتها أو يغيب هذا الدرس عن ذهنك حتى تختبره عمليا وهذا ما حدث معي حينما كنت أطالع مؤخرا على وسائل التواصل الاجتماعي صفحات سوريين ينعون صديقا راحلا فيرفقون نعوته بصور رسائل شخصية تبادلها كل منهم تبادلا خاصا على ماسنجر أو واتساب مع صديقهم الراحل في الماضي فكنت أقول في نفسي لو أنني مت فسيسوءني جدا أن يشارك صديق أو قريب رسالة خاصة تبادلتها معه على العلن فقد أشكو هما لصديق مقرب بلحظة ضعف ولا يصح أن يقرأها أبنائي إذ يفترض أن يظل الأب مصدر قوة لهم أو قد أشارك مع قريب لحظة حنين للوطن لا أرغب في مشاركتها مع غير هذا الشخص لو مت ونشر أحد أصدقائي رسائلي معه على العام فإنه بذلك يؤذيني بانتهاك خصوصيتي فأنا لم أعد موجودا لأجيز له ذلك حتى وإن فعل ذلك بنية صادقة وبلحظة عاطفية مؤثرة في ما يخصه وحتى وإن كان مثل هذا الفعل قد أصبح عادة اجتماعية فإنه لا يغير من كونه انتهاكا لخصوصية المرء بعد وفاته وذلك يقودني إلى نتيجة حاسمة مفادها بأن أهمية الخصوصية لا تأتي من التشريعات التي تضمن الحد من المخاطر المحتملة على الإنسان فلو كان الأمر كذلك لانتهى دور هذه التشريعات بوفاته لكن الخصوصية حق أساسي من حقوق الإنسان يجب أن تحترم حتى بعد وفاته وإن الانتهاكات المرعبة لحقوق الإنسان الأساسية في سورية ومناطق أخرى في العالم العربي يجب ألا تجعلنا نقارن بين حق وآخر فنقلل من أهمية الخصوصية أو نعتبرها حقا ثانويا أو نوعا من الرفاهية

أرسل هذا الخبر لأصدقائك على

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2024 يمن فايب | تصميم سعد باصالح